خلّف الانسحاب الإسرائيلي من مناطق التوغل في "دير البلح" وسط مدينة غزة، دمارا واسعا، وتحديدا في مناطق وسط وشرق المدينة التي شهدت على مدار اثنين وعشرين يوما، عمليات تجريف ونسف طالت مقار ومخازن لمؤسسات ومنظمات دولية اتخذت من المدنية مقرا لها.
وتعتبر "دير البلح" مركزا حيويا ورئيسيا لعمل عشرات المنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية، التي قررت نقل مكاتبها وأنشطتها من مدن القطاع المختلفة إليها، بعد أن صنفها جيش الاحتلال ضمن المناطق الإنسانية.
إلا أن هذا الواقع ما لبث أن تغير في الأيام الأخيرة، بعد أن أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء طالت نحو 60 بالمئة من مساحة المدينة قبل انسحابه منها أمس الجمعة، ما دفع هذه المنظمات لوقف أنشطتها ونقل جزء من مكاتبها إلى مناطق أكثر أمانا كمخيمات "الزوايدة" و"النصيرات" شمالا و"مواصي خان يونس" جنوبا، بعد أن بات الاستمرار في أنشطتها صعبا لوجستيا.
وتضرر بفعل العدوان الإسرائيلي على "دير البلح"، المخزن الرئيسي لوكالة "أونروا" في قطاع غزة، والواقع على شارع "صلاح الدين" شمال المدينة، والذي يضم عشرات آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية المخصصة للنازحين وتحديدا الطحين والأرز والسكر وزيت القلي والمعلبات.
وأدى هذا التدمير الممنهج لمقدرات وأصول المنظمات الدولية، إلى توقف وكالة "أونروا" لليوم الثامن على التوالي من استكمال دورة توزيع المساعدات الغذائية للنازحين في مناطق وسط وجنوب القطاع بفعل تدمير مخزنها الرئيسي الذي كان يغذي مناطق معسكرات وسط وجنوب القطاع.
على صعيد متصل، قررت منظمة "المطبخ المركزي العالمي" نقل مقر عملياتها من "دير البلح" إلى مخيم "الزوايدة" في الشمال الغربي من المدينة، بعد أن جرف الاحتلال مكتب المنظمة الواقع على مدخل المدينة من جهة شارع "صلاح الدين".
وفي سياق آخر رصد وسط القطاع، عدم تمكن عشرات المؤسسات والمبادرات الخيرية من نقل أصولها ومكاتبها وأنظمة الطاقة الشمسية التي تشغلها، بسبب ضيق الوقت بين أوامر الإخلاء التي أصدرها الجيش وتنفيذه لاجتياحه، ما أدى إلى خسائر مالية كبيرة قد لا يكون من السهل تعويضها بسبب افتقار الأسواق للكثير من اللوازم اللوجستية التي يحظر الاحتلال دخولها القطاع منذ بدء حربه في الـ7 من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ومع مرور اليوم الأول على انسحاب قوات الاحتلال من مناطق التوغل في مدينة "دير البلح"، شرعت طواقم البلديات إلى فتح الطرق وتسويتها وإزالة الركام لتسهيل تحرك المركبات والمواطنين عبرها.
إلا أن هذه العملية تواجه العديد من التحديات، بفعل وجود المئات من القذائف التي لم تنفجر، ما قد يجعل من الصعوبة بمكان عودة الكثير من المنظمات للعمل كالسابق؛ بسبب المخاطر الأمنية المرتبطة بوجود هذه القذائف في أماكن خطرة.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، مدعوما من الولايات المتحدة وأوروبا، ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لليوم 330 على التوالي، عبر شن عشرات الغارات الجوية والقصف المدفعي، مع ارتكاب مجازر ضد المدنيين، وسط وضع إنساني كارثي نتيجة الحصار ونزوح أكثر من 95 بالمئة من السكان.