هل وضعت المقاومة تصورا للتعامل مع سيناريو "فصل المدن" بغزة؟!

خاص- الرسالة نت

ليس ثمة جديد أن يهدد الاحتلال قبل أحداث السابع من أكتوبر باجتياح غزة والعمل على فصل المدن، عبر إعادة التموضع والسيطرة مجددا على النقاط والمراكز التي فصل من خلالها المحافظات خلال فترة احتلاله للقطاع.

وكان الاحتلال يقيم مجموعة حواجز يفصل فيها جنوب القطاع عن وسطه عبر حاجز أبو هولي، والوسط عن الشمال عبر حاجز نتيساريم، إلى جانب حواجز أخرى كان يقيمها في مناطق مختلفة بالقرب من المستوطنات التي كان يقيمها في القطاع قبل انسحابه صيف 2005م.

وبدأ جيش الاحتلال إجلاء مستوطنيه عن القطاع في 15 أغسطس/آب 2005، بأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، وخرج يوم 12 سبتمبر/أيلول من العام نفسه آخر جندي من بوابة "كيسوفيم" بحضور قائد فرقة غزة آنذاك "أفيف كوخافي".

لكنّ هذه التهديدات ووفقا لمصادر قيادية بالمقاومة، مثلت طيلة المراحل التي أعقبت انسحاب الاحتلال من القطاع، مثار تحد لعملها، وصبّت جهودا عملياتية ضخمة للتعامل مع هكذا سيناريوا، خاصة في ظل اعتماد الاحتلال على رخوة المناطق التي يقيم فيها هذه الحواجز.

يُذكر أن مستوطنة "كفار داروم" هي أول مستوطنة "إسرائيلية" أنشئت في قطاع غزة عام 1946 كما أُقيمت 5 مستوطنات بين عامي1967 و1977.

ثم بنى الاحتلال 16 مستوطنة بين عامي 1977 و1991، ليكون إجمالي المستوطنات في القطاع 21 مستوطنة احتلت 35%‎ من إجمالي مساحة القطاع -البالغة 360 كيلومترا مربعا- وكان يقطنها قرابة 8600 مستوطن إسرائيلي.

مصدر المقاومة يكشف لـ"الرسالة نت"، بأنّ قيادة المقاومة وبعد العدوان الوحشي عام 2008، وضعت خطة خاصة للتعامل مع التهديدات المتعلقة بالاجتياحات البرية، وجميع السيناريوهات المرتبطة بتداعياتها، وعلى رأسها خطة فصل المناطق، تحديدا منطقة نتساريم، التي كان يقيمها الاحتلال وسط قطاع غزة.

وأنشأ الاحتلال مستوطنة نتساريم عام 1977 على مسافة 5 كيلومترات جنوب مدينة غزة بمساحة تقدّر بـ2325 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع)، في حين بلغ إجمالي المساحة التي كان الاحتلال يسيطر عليها لتأمين المستوطنين، نحو 4300 دونم.

ويشير المصدر، إلى أنّ الخطة تضمنت جهدا عملياتيا واسعًا في سياق التعامل الاستراتيجي مع هذه التهديدات، وبناء عليها بنت خططها الدفاعية والهجومية، وتشكيلاتها العسكرية تحديدا في كتائب القسام، إذ تضمنت التشكيلات ما يراعي تماما هكذا سيناريوهات، والتعامل بحسم معها.

ويوضح المصدر، "أنّ اعتقاد الاحتلال بتفكك الألوية القتالية، ناتج عن خطأ استراتيجي في قراءته للمقاومة وأدائها؛ ولم يك في حسبانه يدرك بأنّه قد وقع في فخ الخطة الاستراتيجية للكتائب في التعامل مع سيناريوهات طويلة الأمد تتعلق بمجابهة التموضع الإسرائيلي المتعلق باحتلال القطاع وتجزئته".

كما أن ذلك بني عليه خطط هجومية غير تقليدية، أعدّتها بفاعلية وقوة أكبر، تستطيع امتصاص أكبر قدر من الآليات والمواجهة العسكرية مع الاحتلال في هذه المناطق، والاغارة عليها وفق تكتكيات مدروسة.

وهذا وبحسب المصدر، فإنّه يترجم عمليا الاستمرار الدائم للاغارة والهجوم على موقع نتساريم؛ رغم التعزيزات والاحتياطات الكبيرة التي أحاط الاحتلال بها المنطقة، وهي ما كنت ترجحه المقاومة وعملت لأجل مواجهته وفق سياسة النفس الطويل.

وأصبحت المعادلة العسكرية في هذه المنطقة، أمثل ما يشبه "فكي الكماشة، أو فكي الثعبان"، وهي استراتيجية الحصار المطبق على القوات في ظل عدم القدرة على المناورة والتحرك سوى بمحاولة تسييج الموقع من هجوم النيران، وهي أيضا قرأتها المقاومة مسبقا وأعدت خططها لمواجهتها وفق تكتيكات تستخدمها المقاومة، وتقوم على فكرة المباغتة والاستدراج غالبا.

لكنّ ماذا عن محور فيلادلفيا، يجيب المصدر، أنّ هذا المحور لم يشكل للمقاومة رافدا رئيسيا، وأنها دائما كانت تستعيض عنه بطرقها، لكنّ مجرد الحديث عن أي تموضع عسكري داخل القطاع هو خط أحمر، وسيكون ثمنه مزيد من الدم الإسرائيلي في هذه المنطقة.

ويشير إلى أنّ قيادة المقاومة لم تك تهذي حينما قالت إنها أعدت خطة دفاعية أقوى من الخطة الهجومية التي أعدتها في السابع من أكتوبر، ورغم حجم الضخ الناري منقطع النظير في الحروب السابقة أو حتى حروب المدن، إلّا أن المقاومة استطاعت أن توقع قوات الاحتلال في أفخاخ مستمرة وتستدرجه لكمائن متعددة، وتجعله دائما في عملياته البرية يقوم على مبدأ رد الفعل، وفي سياق عدم التوقع، ومواجهة أي مبادرة عسكرية إسرائيلية للقيام بفعل، وهذا يعني دائما عدم السماح له باستدامة التموضع بعد احتلاله لأي مكان بالقطاع.

يجيب المختص في الشأن العسكري اللواء واصف عريقات، إن هدف نتساريم تقطيع اوصال غزة وسط وشمال وجنوب، ومنع وجود مقاومة في الشمال، والسيطرة على السكان، وهي من تتحكم فيمن سيكون أو لا يكون، وفق قواعد عسكرية ثابتة تنطلق منها الاعتداءات على الشمال.

وأوضح عريقات لـ"الرسالة نت"، أنّ الهدف أيضا تأمين المستوطنين في المس

توطنات شمال القطاع، وتأمين المنطقة الشمالية للوجود الإسرائيلي عسكري ومدني، والسيطرة ديمغرافيا وجغرافيا عليها، وهي عبارة عن احتلال لقطاع غزة، واضعاف المقاومة والحد من قدرة حركتها.

العمليات الدائمة تجعل المحور والجنود فيه بحالة عدم ثبات والدفاع عن النفس، واضعاف قدراتهم القتالية والتأثير على خططهم الهجومية، تبعا لعريقات.

من جهته، يقول الباحث في شؤون المقاومة سعيد زياد، إنّ المقاومة حوّلت منطقة سيطرة العدو على المحور العملياتي في نتساريم وسط القطاع من أكبر نقطة قوة عنده تمكنه من اجتياح عمق مدينة غزة في 15 دقيقة، إلى نقطة ضعف خطيرة تجبره على التخلص منها سريعاً، حيث رفعت تكلفة بقائه فيها إلى إصابة حوالي 10 جنود يومياً، فقط بقذائف الهاون.

وأوضح زياد لـ"الرسالة نت"، أنّ العدو الذي أراد السيطرة على هذا المحور ليمنع عودة النازحين، أصبح بين فكّي كماشة بين لواءي الوسطى وغزة، وبذلك بات يفضل الانسحاب على البقاء، وهذا هو سبب تنازله عن أول خطين أحمرين كان قد أقسم نتنياهو بالله عشراً ألا يتنازل عنهما، بالتالي، لا يعد هذا التنازل مرونة ولا عرضاً سخيّاً، وإنما تنازلاً بالإكراه، بل ربما يمكن تسميته مطلباً اسرائيلياً أكثر مما فلسطيني.

البث المباشر