من جسر الكرامة تفجرت الحمية الأردنية، حينما امتشق الأردني ماهر ذياب الجازي البالغ من العمر 38 عاما سلاحه وأطلق النار على قوات جيش الاحتلال حتى نفق ثلاثة من الجنود الواقفين على معابرنا والمحتلين لكل دولنا العربية.
توجه ماهر من المعبر الأردني إلى المعبر الإسرائيلي دون أن يخبر أحدا، ما الذي كان يفعله هناك، كيف دخل بسلاحه وتجاوز الحواجز وأطلق النار؟! ولكن يكفي الشرف العربي أن نقول باسمه أن منفذ عملية إطلاق النار عند جسر الملك حسين منحدر من قرية أذرح في معان جنوبي الأردن، وهي القرية ذاتها التي ينحدر منها الشيخ هارون الجازي الذي قاد كتــائب المتطوعين من الأردنيين عام 1948 للمشاركة بمعركة القدس التي كان أبطالها الجنود والمتطوعون الأردنيون.
قابل الشهيد كتيبة إسرائيلية، أطلق النار فورا، انتهى من مشط سلاحه الأول، وأفرغ الثاني، قبل وصول أي قوة داعمة، والتي حينما وصلت أطلقت النار على البطل، بعد أن قتل ثلاثة من جنودهم، ثم احتجز جثمانه.
الغضب الأردني الذي كان يتصاعد كل أسبوع، ويخرج بمسيرات ضد الإبادة المسعورة على غزة اختلط اليوم بفرحة كبيرة، خصوصا في قرية الشهيد التي كانت تخرج عن بكرة أبيها كل جمعة متظاهرة ومطالبة بفتح الحدود، بل خرج كثير من الأردنين في تحد واضح للصمت العربي ليوزعوا الحلوى في شوارعهم ويعبروا عن فخرهم بالبطل الشاب.
لم تكن محاولة الشهيد الجازي هي الأولى، شبان كثيرون طلبوا أن تفتح الحدود، بل حاولوا اختراقها، ومنعهم الأمن الأردني عدة مرات من الوصول إلى الحدود واختراقها، ولكنها اليوم تنجح وتدخل الشهيد الأردني الأول في معركة القدس .
للبطل جذوره الصلبة وليس من المستبعد أن تورثه الكرامة، وهو سائق شاحنة كان في طريقه من جسر الملك حسين من المنفذ الأردني تجاه المنفذ الإسرائيلي حسب الرواية الإسرائيلية، حيث لم تفصح السلطات الأردنية بأي معلومات أو تفاصيل عن العملية أو عن بطلها.
ولكن قبيلة الشهيد سارعت للتعبير عن فخرها حيث قال الشيخ سلطان الجازي شيخ عشائر الحويطات عشيرة منفذ عملية الكرامة: " نحن مع المقاومة ونحييها على صمودها وبطولتها وبسالتها، وما تقوم به دفاعا عن الأمة جميعا، وشهيدنا هو شهيد الوطن، وعلى الاحتلال تسليم جثمانه فورا."
والشهيد أب لطفلين، عمل مسبقا في الجيش الأردني، وتدرج في السلك العسكري، ثم بدأ العمل على شاحنة النقل، ولم يكن له أي ميول سياسية وفقا لما قاله شقيقه، وهو يسكن منطقة الحسينية جنوب الأردن، وقبيلته من بدو معان كبرى القبائل ذات التاريخ العريق في المدينة.
سيرة طويلة عطرة، تستحق أن يخرج الأردنيون ليوزعوا الحلوى، بينما تلتزم الحكومة الأردنية الصمت، وكأنها تعلم أن الحديث في هذا الوقت الحسااس بكلمات أي كان نوعها يجب أن يكون مدروسا حتى لا يفجر ألف ماهر .
يذكر أن شابين أردنيين حاولا التسلل والدخول من شمال الأردن واستطاعوا الدخول إلى الأراضي الفلسطينية وقد كانا يعتزمان القيام بعملية ولكن تم إلقاء القبض عليهما قبل أن يستطيعا فعل ذلك.
الغضب الأردني الشعبي سبقه في كثير من المرات تصريحات لمسؤولين ينتقدون بقاء الاتفاقية الأردنية الإسرائيلية على حالها حتى هذا اليوم، ولعل هذه العملية تكون بداية الفزعة العربية التي انتظرها الفلسطينيون كثيرا، والتي تضع الحكومات العربية في موقف محرج، بعد هذا الصمت الغريب أمام كل هذا القتل الذي يمارس على أهالي قطاع غزة والذي انتقل إلى الضفة الغربية المحتلة.
أغلق الاحتلال جسر الملك حسين حتى إشعار آخر، وأغلق الطرق المتفرعة منه وصولا إلى أريحا، وخرج نتنياهو كعادته بتصريح مضحك آخر: "نحن محاطون بالقتلة الذين يروجون للأيدلوجية الإيرانية" دون أن يوضح ما دخل إيران بعملية بطولية قام بها أردني!
وفي غزة، توجهت الأنظار نحو العملية وتأكد الغزي من جديد أنه محاط بأبطال أشقاء من دول عربية كثيرة، وسيأتي يوم يقدرون فيه على تجاوز كل الحدود كما فعل بطل الكرامة، ليقتلوا واحدا أو اثنين ويصبحوا بعد عام أو عامين، شركاء نحو تحرير القدس.