مصطفى عبد السلام
في شهر مارس الماضي، خرج علينا الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا Nvidia الأميركية العملاقة، داعم إسرائيل القوي، متحدياً العالم ومؤكداً أن الشركة ستواصل الاستثمار وضخ الأموال الطازجة بكثافة في كيان الاحتلال. وبالفعل اتخذت الشركة المتخصصة في إنتاج أشباه الموصلات خطوات عملية في هذا الشأن حيث اشترت شركة "ران أي آي" الإسرائيلية، في إبريل الماضي في صفقة بقيمة 700 مليون دولار. كما اشترت شركة "دسي أي آي" التكنولوجية الإسرائيلية في الشهر نفسه.
وقبلها أعلنت إنفيديا التي يتجاوز رأسمالها 2000 مليار دولار عن ضخ استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار في إسرائيل، بهدف إنشاء مركز عالمي للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي. كما قرّرت الشركة الأميركية أن تجعل إسرائيل موطناً لجهاز الكمبيوتر العملاق إسرائيل-1، وهو ما تم وصفه بأقوى جهاز كمبيوتر خارق في العالم.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تبرعت إنفيديا بمئات الحواسيب وقدمت آلاف الوجبات الساخنة للعائلات الإسرائيلية، وتبرع موظفو الشركة، بمبلغ 15 مليون دولار، لمنظمات إسرائيلية.
لكن يوم 5 سبتمبر الجاري جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث سجلت إنفيديا أكبر خسارة لشركة في يوم واحد في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، حيث خسرت 279 مليار دولار من قيمتها السوقية. في ذلك اليوم تعرض سعر سهم الشركة لانهيار هائل بعد أن وصلت قيمتها السوقية إلى 3.3 تريليونات دولار فقط.
حدث ذلك الانهيار المدوي رغم أن الشركة كانت "فرص رهان" المستثمرين والمضاربين وقناصي الصفقات في البورصات الأميركية "وول ستريت" خلال الشهور الماضية.
جاء الانهيار غير المسبوق في تاريخ الشركات العالمية الكبرى عقب فتح وزارة العدل الأميركية تحقيقا بشأن انتهاك إنفيديا قوانين مكافحة الاحتكار، ويبدو أن التهمة ستمتد خارج الولايات المتحدة حيث تستعد هيئة مكافحة الاحتكار الفرنسية، لتوجيه اتهامات مماثلة للشركة وارتكاب ممارسات مناهضة للمنافسة.
عالميا باتت شركة إنفيديا، التي يتم وصفها بـ"غول يلتهم كل شيء" ويتحكم بمستقبل الذكاء الاصطناعي ويثير الذعر في أسواق المال، تعاني من انخفاض حاد في الثقة، وهو ما انعكس على نتائج أعمالها. كما سيؤثر في مبيعاتها حيث أن إنفيديا تتحكم في 80 بالمئة من سوق الشرائح الإلكترونية للذكاء الاصطناعي المتقدمة حول العالم.
الخسائر الفادحة التي تعرضت لها إنفيديا، ستؤثر سلبا على أنشطتها حول العالم بعد أن كانت تزاحم ثلاث شركات عملاقة هي: آبل، مايكروسوفت، وأرامكو النفطية السعودية، يمتد الأثر بقوة على مركزها داخل إسرائيل التي يتواجد بها ثاني أكبر مركز تطوير للشركة خارج الولايات المتحدة. ولديها أيضا 3300 موظف، يمثلون 13% من قوتها العاملة العالمية.
الأمثلة على تعرض داعمي دولة الاحتلال لخسائر مالية فادحة منذ السابع من أكتوبر الماضي أكبر من حصرها إما بسبب المقاطعة الشعبية الواسعة لها حول العالم وتراجع أرباحها ومبيعاتها، أو بسبب أخطاء كارثية ارتكبها القيمون عليها.
ففي ديسمبر الماضي تكبدت مجموعة ستاربكس الأميركية الشهيرة للمقاهي الداعمة لإسرائيل خسائر في قيمتها السوقية ناهزت 11 مليار دولار خلال فترة وجيزة بتأثير من المقاطعة وإضرابات الموظفين وضعف أداء الحملات الترويجية.
وأقالت ستاربكس رئيسها التنفيذي لاكشمان ناراسيمهان في 13 أغسطس الماضي، بسبب تعرضها لخسائر فادحة وتراجع كبير في المبيعات. وتخطط ستاربكس الخليجية لتسريح أكثر من ألفي موظف في منطقة الشرق الأوسط. وخفضت سلسلة المقاهي توقعاتها لأرباحها وإيراداتها للعام المالي 2024، وأعلنت عن أرباح وإيرادات ربع سنوية أقل من المتوقع، تحت ضغط المقاطعة الشعبية لأي علامة تدعم إسرائيل.
وأعلنت مطاعم كنتاكي في السادس من أغسطس الماضي عن انخفاض مبيعاتها في الربع الثاني من العام الجاري، وكذا الحال بالنسبة لسلسلة مطاعم عالمية أخرى بسبب دعمها لإسرائيل.
وأصابت لعنة إسرائيل والمقاطعة الواسعة أسماء علامات كبرى منها مطاعم ماكدونالدز، وأغلقت الشركة المالكة لمطاعم تاكو بيل وكنتاكي وبيتزاهت نحو 210 مطاعم في الشرق الأوسط وماليزيا وإندونيسيا. يمتد الأمر لشركات المياه الغازية مثل كوكا كولا وبيبيسي التي تعرضت لتراجع في المبيعات وفقدان الحصص السوقية.
وفي 30 يوليو، أعلنت أميركانا انخفاض إيرادات الربع الثاني بنسبة 14.2%، وتهاوي صافي الأرباح بنسبة 40.1% مقارنة بالربع الثاني من عام 2023.
وأعلنت شركة بروكتر آند جامبل عن تعرض منتجاتها لتراجع في الشرق الأوسط. تكرر الأمر لدى شركة نستله التي أعلنت أن مبيعاتها المعلنة في منطقة أفريقيا وأوقيانوسيا وأستراليا وآسيا تراجعت 6.8% في النصف الأول من عام 2024، وتكرر الأمر مع شركة يونيليفر.
هذه عينة من الخسائر التي تلاحق الشركات العالمية والعلامات التجارية التي تساند إسرائيل مالياً واقتصادياً وتضرب برغبات عملائها عرض الحائط.