غزة – عبدالحميد حمدونة
"اركبوا وسعوا لبعض يا حبايب، كمان يا ولاد لسه في قدكم في الطريق"، يرد الطلاب المتكئين على حقائبهم الدراسية الممتلئة لبابها "فش وسع يا سواق" (..) ، حوارٌ يوميٌ عقيمٌ بين طلاب المدارس الذين يستقلون حافلات أجرة توصلهم من بيوتهم إلى مدارسهم وبالعكس.
لا يأبه سائق الحافلة "أبو شادي" لمناشدات الطلاب بداخل باصه أزرق اللون، متوسلين إليه الكف عن جلب المزيد من الطلاب إلى الباص الذي لم يعد يتسع لـ "قطة"، ولكن الأربعيني أبو شادي مُصرٌ كل الإصرار على حشد العدد الأكبر من الطلاب لأن ذلك يعني له المزيد من جلب المال.
ستون دقيقة
بينما يخرج الطلبة الصغار الذين لم يتجاوزوا العشر سنين من بيوتهم باكرا، قبل موعد رن الجرس بما يقارب الساعة ، تبدأ حكاية معاناتهم مع سائق الباص في رحلة ستمتد قرابة ستين دقيقة يدور بهم أرجاء الحي في طريقهم إلى مدارسهم.
باصات وسيارات المدارس التي تنقل الطلاب ومن المفترض أن يتسع لسبعة أو أربعة طلاب وهو العدد القانوني الذي حددته وزارة النقل والمواصلات، نجد أن الكثير منهم يحملون أضعاف هذا العدد.
"الرسالة" واكبت الأضرار الصحية والقانونية الناجمة عن تكديس العشرات من الطلاب في حافلات نقلهم إلى المدارس.
وزارة النقل والمواصلات وضعت محددات لنقل الطلاب تصب في مصلحة الطلاب والسائق في الوقت ذاته. ومنها أن يحمل السائق رخصة باص حسب القانون وما نلمسه أن الكثير من السائقين لا يحملون رخصا للسياقة، والمحدد الآخر هو تأمين الحافلة الذي يجب أن يغطي العدد القانوني الذي تحمله الحافلة.
والد ثلاثة طلاب يدعى "أبو هشام" أبدى تخوفه على أولاده الذين يستقلون باصا للوصول إلى مدرستهم، قائلا :"لو أن الباص تعرض لحادث -لا سمح الله- وأولادي بداخله والتأمين لا يغطي فماذا سيفعل؟"
وطالب أبو هشام "32 عاما" المسئولين بمتابعة باصات المدارس والتي لا رقيب عليها ولا حسيب، مضيفا :" أرى أحيانا طلابا يخرجون رؤوسهم من شباك الباص هروبا من الزحمة بالداخل".
ووقف وحبيبات العرق تتصبب على جبينه منتظرا أطفاله ليعودوا إليه بسلام مشيرا إلى أنه لن يدع صغاره بعد اليوم يستقلون باصات المدارس بعد أن رأى مشاهد الأطفال وهم يخرجون أجسادهم كليا من شبابيك الباصات، متسائلا عن المسئول في حال سقط أحد الطلاب من نافذة الحافلة!.
لم مصاري
يشار إلى أن بعض السائقين يتجهون إلى جمع بضع من الطلاب في منطقة معينة بالاتفاق مع آبائهم مقابل أجرة شهرية، ويجوب هؤلاء السائقين في ساعات الصباح الباكر منازل الطلاب ليجمعوهم ويوصلهم إلى مدراسهم، وكذلك بعد انتهاء الدوام ينتظرهم السائق على باب المدرسة ليعيدهم إلى منازلهم.
وكثيرا ما تزدحم باصات المدارس بالطلبة الذين يستقلونها من صغار وكبار، فالطالب لا يجد طريقة للوصول إلى مدرسته بسهولة مما يجعله يبحث عن وسيلة مواصلات، ويستغل السائق هذه الحاجة ليقل الطلاب المتكدسين في الطرقات متظاهرا بأنه الحريص على حياتهم وعلى وصولهم الي مدارسهم بأسرع وقت.
يقول "حمادة" أحد الطلاب وهو في الصف الثامن :" بننخنق واحنا قاعدين في الباص، بدي أخلي بابا يشوف سيارة لأنها أرحم من زحمة الباص"، موضحا أن مدرسته تبعد كثيرا عن بيته الأمر الذي اضطره لاستقلال باص يوصله إليها.
وفي الحقيقة فإن السائقين لا يحرصون على سلامة الطلاب بقدر حرصهم على جمع أكبر "يومية"، الأمر الذي تعبر عنه "أم براء" بقولها :" لم المصاري"، فالطمع أعمى نفوس الكثير من السائقين الذين يروق لهم تكديس الطلبة في داخل الباص كعلبة "السردين"، متناسين ما سيحل بالطالب من مشاكل صحية وجسدية جراء الازدحام.
وتضيف أم براء أنها لا ترسل ابناءها بالباصات إلى مدرستهم البعيدة، بل تعمد إلى استئجار سيارة أجرة عمومية الأمر الذي تراه مناسبا لأبنائها.
ويرى "أبو إياد" مالك مكتب سيارات تقل الطلاب إلى مدارسهم بأنه لا يسعى لتكديس الطلاب في سيارته وأن العدد الأقصى هو ثمانية على الأكثر، مبينا أن السبب الذي يدفع الكثير من السائقين لتكديس الطلاب في الحافلة هو الوضع الاقتصادي السيء الذي يحياه المواطن الغزي.
الصيف قادم
سبعون شيكلا فقط هي الأجرة الشهرية مقابل نقل الطالب الواحد في السيارة، بينما الأجرة تختلف في الباصات والتي تتراوح بين (50-60) شيكلا، كما أوضح أبو إياد.
بدورها أكدت دائرة العلاقات العامة والاعلام في الشرطة الفلسطينية على المدارس وأولياء الأمور بضرورة التأكد من قانونية الحافلة التي تقل ابناءهم والتأكد من التزام سائقها بقوانين وقواعد السير.
فصل الصيف بات على الأبواب بحرارته الشديدة، وليس بمقدور الطالب تحمل شدة هذه الحرارة بسيارته المكيفة، فكيف سيتحمل الطلاب الحرارة في عز الظهيرة وهم كالسردين في العلبة؟