لم تكن عملية طوفان الأقصى حدثًا عابرًا في المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال (الإسرائيلي)، بل تعتبر حدثًا مفصليًا في تاريخ الصراع مع الاحتلال الذين ظهر عاريا أمام العالم عندما نسفت المقاومة كل إنجازاته الاستخباراتية والعسكرية التي أوهم العالم بها لعقود.
قبل السابع من أكتوبر 2023 عمل العالم كله على تصفية القضية الفلسطينية، فيما سارت عمليات التطبيع على قدم وساق، فكانت غزة ومقاومتها حجر عثرة أمام كل مشاريع المنطقة وخلطت الأوراق وأربكت الحسابات وأعادت القضية لتكون في مركز اهتمام العالم بأسره.
إنجاز فلسطيني
وأظهرت عملية طوفان الأقصى هشاشة التفوق الاستخباري والأمني (الإسرائيلي)، فتمكّنت استخبارات المقاومة، على بساطتها وقلّة إمكاناتها، من الحفاظ على سريّة عملها وتحديد ساعة المواجهة، وإنزال ضربة مفاجئة وغير محسوبة بالمنظومة الاستخباراتية والأمنية (الإسرائيلية)، لتكون الضربة الأعنف والأقوى في تاريخ الاحتلال.
وفي السياق يقول الصحفي والمحلل السياسي محمد أبو قمر إن طوفان الأقصى تعد الضربة الأكبر للفصائل ضد الاحتلال منذ احتلال فلسطين، سواء فيما يتعلق بالإمكانات التي استخدمتها وتمكنها من تجاوز الحدود بعد أكبر حركة إعماء لمنظومة الامن الإسرائيلية، أو من خلال نتائجها أو من حيث المباغتة ومفاجأة كل أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية.
وذكر أن العملية جاءت في وقت حساس تمر فيه القضية الفلسطينية، حيث كانت تتجهز كل المنطقة لإتمام التطبيع، كما كان الأقصى في المرحلة الأخيرة من التهويد فأعادت المعركة بوصلة كل العالم تجاه القضية الفلسطينية.
ويرى أبو قمر أن الأهم في مفاعيل الطوفان أنها أذابت حالة الإعجاب بقدرات الاحتلال في كل المنطقة بعدما انهارت منظومته الأمنية خلال دقائق، فنسف كل ما كان يروجه عن قدراته العسكرية والتجسسية،
لافتا إلى أن طوفان الأقصى تعد من المراحل المفصلية لأنها اظهرت مدى هشاشة الوضع العسكري الإسرائيلي دون الدعم الخارجي، خاصة بعدما شهدناه من جسور جوية للدعم العسكري الأمريكي والبريطاني والتي وصلت لـ ٥٠٠ طائرة مساعدات حربية و١٠٧ سفن أمريكية.
وخلال المعركة يبين أبو قمر أن الخلافات الإسرائيلية الحادة بين الأحزاب السياسية والمستويين السياسي والعسكري ظهرت جلية، وهو ما كان واضحا في استقالات "ايزنكوت" و"غانتس" وما تبعه من مظاهرات تطالب بإقالة حكومة نتياهو.
وعلى صعيد التحرك السياسي يعتقد أن ما قبل ٧ أكتوبر لم يكن كما قبله، فشهدنا صدور قرارات من مجلس الأمم المتحدة والجمعية العامة تتحدث عن ضرورة إنهاء الاحتلال في سابقة أولى، كما شهدنا اعترافات بالدولة الفلسطينية، فيما تقدمت للمرة الأولى ملفات وإدانات ضد (إسرائيل) في محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنيات الدولية.
مع المقاومة
بدوره كتب عريب الرنتاوي، مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية أنه للمرة الثالثة خلال أشهر الحرب على غزة، يجيب الشعب الفلسطيني عن أسئلة المرجفين والمرتجفين، ويقول كلمته في السابع من أكتوبر.. اثنان من كل ثلاثة فلسطينيين يريانه يوماً مجيداً أعاد إلى القضية الفلسطينية ألقها بعد طول غياب وتغييب.
وقال في مقال له يعرض فيه نتائج لاستطلاع رأي أجراه مركز القدس للدراسات بعد أشهر من أعنف حملات التطهير والتطويق والإبادة، يعتقد 80% من الفلسطينيين بأن "الطوفان" أعاد قضيتهم الوطنية إلى صدارة جداول الأعمال والاهتمامات الدولية.
وأضاف:" وذلك كان هدفاً مركزياً لمن قرر وخطط ونفذ السابع من أكتوبر وأدار حرب الطوفان بكل كفاءة واقتدار.
ويتابع :ما لم تقله أسئلة الاستطلاع الثالث الذي نفذه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن "الطوفان" أضاف قضية الشعب الفلسطيني إلى قائمة أولويات الحملات الانتخابية في معظم دول الغرب، بمن فيها الولايات المتحدة، وأحالها لأول مرة في تاريخها -ربما- إلى "قضية داخلية" تدخل في حسابات السياسيين وأحزابهم المتنافسة... هذا تطور غير مسبوق.
ويؤكد الرنتاوي أن الاستطلاع أظهر ارتفاع شعبية حماس وخيار المقاومة، وأن الفلسطينيين، بمن فيهم الغزّيون، الذين فقدت 60% من عائلاتهم أحد أفرادها، شهيداً أو جريحاً، يواكبون الأداء السياسي لمقاومتهم، ويثقون بقدرتها على إدارة المفاوضات.
ولفت إلى أن أكثر من نصف سكان غزة يتوقعون عودة حماس إلى حكم القطاع، وثلثي الشعب يرون أن المقاومة هي المنتصرة في نهاية المطاف، وأكثر من نصف أهل غزة وثلثي الشعب يؤيدون خيار عودة المقاومة إلى حكم غزة.
وأكد أن الفلسطينيين باتوا، كما تشير أرقام الاستطلاع، أكثر تأييداً وحماسة لخيار المقاومة المسلحة. اثنان من كل ثلاثة يدعمان هذا الخيار، وهذا تطور لافت في "المزاج الشعبي العام".