هو واحد من اثنين، انطلقا إلى المدينة التي يعرفونها يافا المحتلة، ويعرفها الاحتلال (تل أبيب)، ونفذا عملية بطولية هزّت الشارع (الإسرائيلي) وقلبت الموازين، وأثبتت للعالم أن المقاومة ولادة، وإن حاولوا ابادتها.
أمس الأول، قرر الشاب أحمد الهيموني ابن الخامسة والعشرين مع رفيقه الأصغر محمد مسك ابن التاسعة عشر أن يكون لهما بصمة في زمن الاستسلام والخنوع والفرجة، وألا يكتفيان بالنظر من بعيد فالتحقا بصفوف المقاومة، ورغم صغر سنهما إلا أن العملية كانت الأكبر منذ بدأت معركة الإبادة في غزة والضفة في السابع من أكتوبر الماضي.
تقول والدة أحمد:" جاء ليلتها إلى المنزل، احتضنني وبكى، ولم تعرف الأم سر دموعه، ولكنها شعرت حينما أخبرها أنه ذاهب إلى ( تل أبيب) للعمل، قالت له: لا تذهب يا أحمد، فأخبرها بأن الأمر محسوم وبأنه ذاهب حقيقة، وقد عرفت أن معه رفيق آخر، ولم تسأله من هو ذلك الشاب".
ذهب الرفيقان إلى حيث يعلمان أنه لا عودة من تلك الأمكنة، أطلقا النار بطريقة مدروسة، بعدما اغتنما السلاح من جندي جبان لم يقاوم، وكانا يعلمان أن السارق لا يقاوم أصحاب الحق، فهما في كل الأحوال مستعدان للموت تلبية لصوت الصدق في داخلهما.
الأم التي فجعت بابنها قبل يومين، والتي أخبروها أنه معتقل بإصابة خطيرة ولا تدري عنه شيئا أكثر، قالت بثبات:" كله فدا غزة".
وهكذا من الخليل إلى غزة هدية نزلت على قلب كل غزي كماء بارد لم يتذوقوه منذ عام، حينما قنص الشاب المستوطنين المكومين في محطة القطار فأسقط ثمانية قتلى في صفوفهم وجرح ما لم يكشف المحتل عن عددهم الحقيقي.
تعرف عائلة الهيموني، ويعرف أحمد المصاب حاليا، أن قتله ليس النهاية، وبأن هذا المحتل سيدفع عائلته الثمن أضعافا، وهذا ما حدث بعدها بيوم واحد.
يقول والده عبد الفتاح الهيموني :" أعمل في بيع الخضراوت، حينما هاتفني أحدهم ليخبرني بأن واحدا من منفذي عملية القدس يشبه ابني أحمد، وأنا لا أعرف أين ذهب أحمد، بل لا أعرف تحركاته مطلقا، ورغم ذلك اتصل بي ضابط إسرائيلي وطلب مني أن أحضر أنا وأبنائي الأربعة" طارق ومحمد وعلي ومؤمن" مهددا :" لو لم تأت سأحضر نساء عائلتك بدون ملابس!".
لم يكن والد أحمد يعرف شيئا عن منفذ العملية، اتصل على هاتف ابنه وكان مغلقا، وهاتف زوجته ليسألها فقالت له: "سمعت أنهم أمسكوا بأحمد في تل أبيب".
ذهب عبد الفتاح الهيموني، وأخذ أولاده معه، وفور وصولهم بادره ضابط المخابرات الإسرائيلي قائلا:" والله لأجعل الكلاب تنهش لحم ابنك" يقصد أحمد، ثم أخبره بأن ابنه قام بعملية في تل أبيب وأطلق النار على عشرات المستوطنين في محطة القطار.
صدق الأب ما سمعه، لم يكن يعرف قدرات ابنه على أية حال، ولكنه قال:" ربيت أبنائي كلهم تربية حسنة، لم يترك أي منهم صلاته، لقد كان أحمد يصلي كل فروضه في المسجد"، وكانت تلك الجملة هي سر القوة التي تحصن بها الشاب ورفاقه.
واختتم والد مُنفذ عملية يافا حديثه قائلا "إن حالهم ليس أفضل حالًا من أهل غزة ولا من أهل جنين، وإن ما يتعرضون له هي ضريبة يدفعها كل فلسطيني".
وفي ذات الليلة اقتحمت قوات الاحتلال منزل الشهيد في حي الجامعة بمدينة الخليل، وأعلنت المنطقة كلها منطقة عسكرية، حاصرته وكالعادة أخذت مقاساته، وكأن الانتقام من الحجر أصبح وسيلتهم الوحيدة في الزمن الذي يضحي كل أفراد المقاومة بحياتهم فيرتقون مباشرة بعد كل عملية، فلا يجد الجندي روحا يقتلها مرتين، إلا جدران المنزل الفارغ من أبطاله!.
حتى اللحظة لم يستشهد أحمد، ارتقى رفيقه محمد مسك 19 عامًا، في المواجهة التي حدثت بينهما وبين شرطة الاحتلال بعد انتهاء العملية، بينما أحمد هيموني مصاب بجروح خطرة، وقد اعتقله الاحتلال رغم إصابته، واقتادوه لجهة لا يعلمها أحد.