قبل عام تحديدا، وحينما ارتكب الاحتلال (الإسرائيلي) مجزرة مستشفى المعمداني بمدينة غزة، أنكر مسؤوليته عها في البداية، وحينما لم يلق ردا عربيا أو عالميا كافيا لكبح جماح القتل أكمل غاراته ومجازره بوتيرة أكبر، وكانت تلك المجزرة بداية الإبادة الحقيقية، أو بداية ما يمكن تسميته بحرب ضد المستشفيات، مورست بعدها آلية القتل بشكل أكثر بشاعة ومغالاة وبطرق كثيرة لا يتصورها بشر.
ولمن لا يذكر فإن تلك المجزرة ارتكبها الاحتلال في السابع عشر من أكتوبر 2023 حينما أغارت طائرات الاحتلال على المستشفى الأهلي (المعمداني) في حي الزيتون جنوب مدينة غزة في ساعات الليل الأولى.
سقطت الصواريخ العنيفة في باحة المستشفى، التي كان فيها مئات من النازحين والفارين من لهيب الموت في الأحياء الواقعة شرقي المدينة، نازحون أغلبهم من النساء والأطفال تقطعت أجسادهم وتحولوا إلى أشلاء وحولت المستشفى إلى بركة من الدماء.
و يُعَدُّ المستشفى الأهلي العربي المعمداني أحدَ أقدم مستشفيات قطاع غزَّة، ويتبع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس.
نفت (إسرائيل) في البداية استهدافَ المستشفى، زاعمةً أن الانفجار كان بسبب صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي. وأصدرت الحركةُ بيانًا نفَت فيه الاتهامَ الإسرائيلي، ثم ثبت بصور الأقمار الصناعية بأن الاحتلال هو من ارتكبها.
يرى محللون أن تلك المجزرة تشكل مفصلا مهما في حرب الإبادة على غزة، والتي مرت بعدها كل المجازر بإدانات خجولة، وبزيادة الدعم الأمريكي، ولكنها كانت ورقة قوية قدمت إلى محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا لاحقا.
اسماعيل مسلماني المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي يستذكر تلك المجزرة، ومع انتهاء عام كامل من الإبادة بدأ عام آخر بتهديدات جديدة مشابهة لمستشفى كمال عدوان، ويعرف أن مجزرة المعمداني أشعلت موجة غضب غير مسبوقة خاصة على شبكات التواصل ولكن العالم وقف متفرجا أمام الفضائيات وكأنه يشاهد فيلما على التلفاز سقطت معه أكذوبة الغرب أمام هذه المجزرة، كما يقول مسلماني.
ويضيف مسلماني: أن العمل الوحشي الذي حصل بحق الغزيين أكد بأن القصف لن يتوقف، فهذا الاستهتار بالأرواح البشرية غير مسبوق وكان على العالم أن يتحرك فورا، حتى لا تتمادى (إسرائيل)، وكان من المفترض أن تتم محاسبتهم منذ ذلك اليوم، وهذا الصمت العالمي حيال هذه الجريمة جعل الاحتلال يتمادى دون تحمل أي مسؤولية.
بعدها وصل عدد المجازر إلى أربعة آلاف مجزرة بوتيرة قتل متسارعة، وها نحن اليوم نصل إلى حصار مستشفى كمال عدوان، وتدمير كامل للبنىية الصحية في القطاع، دون أي محاسبة- يضيف مسلماني.
ويكمل:" قتل في المساجد والمراكز والمدارس والمستشفيات ووقف لعمل الأنروا دون أي رقيب، وقد كانت في الحقيقة مستشفى المعمداني أكثرها بشاعة وهي الأولى، وكان من الممكن أن تكون رادعا حقيقيا للاحتلال، لكن العالم ظل يتفرج".
مطلوب فورا، تحرك عالمي، لوقف هذه المهزلة، وهذا القتل غير المسبوق، يقول مسلماني.
ناصر الهدمي أكد أن جريمة المعمداني كانت حدثا هاما ومدويا في إطار جرائم الحتلال المتكررة ولكن حسب رأيه لا يعتبر هذه الجريمة نهجا جديدا. موضحا: "الاحتلال مجرم منذ القدم وصاحب استراتيجية في جرائم الإبادة، ثم يدعي الخطأ بعدها، وهي عقيدة راسخة لديه مارسها منذ اليوم الأول على قيام دولة الاحتلال".
ويلفت الهدمي إلى أن اليهود المهاجرين إلى فلسطين منذ بداية الاحتلال جاءوا بهذه العقيدة، التي يدعمها الاحتلال ويمارسها منذ الأزل ولم يبدأ بجريمة المعمداني ولن يزول هذا القتل، ولن تتوقف هذه السياسة، إلا بزوال الاحتلال.
ثم امتدت سياسة المجازر الإسرائيلية في حرب خصت بها المستشفيات وكأنها تريد أن تقتل حتى فرصة العلاج الوحيدة التي يبحث عنها المدنيون، ثم بدأت الآن تكرر سييناريو المعمداني والشفاء وكمال عدون ومستشفى الأندونيسي في جنوب لبنان.
وكشف مدير مستشفى مرجعيون الحكومي في جنوب لبنان الطبيب مؤنس كلاكش، أن ضربة إسرائيلية وقعت على بعد حوالي 5 أمتار من مدخل المستشفى، بعدها قرر الطاقم الطبي إخلاء المستشفى مؤقتا.
وأكد مختصون في وزارة الصحة أن قصف المستشفيات اللبنانية أعاد إلى أذهانهم مشاهد المعمداني، المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من 500 شهيد ما بين نازح ومريض وعامل من الطواقم الطبية ، والتي كشفت عن واحدة من أبشع المجازر التي ارتكتبها قوات الاحتلال في غزة.