كشفت دراسة أنه في الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أسقط جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على قطاع غزة ما يقرب من 600 قنبلة شديدة التدمير من طراز Mark 84 تزن 2000 رطل (907 كيلوغرامات)، ولديها القدرة على إتلاف البنية التحتية للمستشفيات، وقتل الفلسطينيين أو التسبب في إصابات خطيرة لهم.
كان معظم القنابل التي رصدها مؤلفو الدراسة التي نشرت يوم التاسع من أكتوبر الحالي في مجلة PLOS Global Public Health على مسافة قريبة جداً من المستشفيات في جميع أنحاء قطاع غزة. وقنابل M-84 هي ذخائر متفجرة تلقى من الجو وتطلق أكثر من 1000 رطل (453 كيلوغراماً) من الشظايا الفولاذية في جميع الاتجاهات. لهذه القنبلة نصف قطر انفجار قاتل يصل إلى 360 متراً بعيداً عن نقطة الانفجار، ويمكن أن تسبب إصابات خطيرة وتضر بالبنية الأساسية للمباني حتى مسافة 800 متر. تصنع هذه القنابل شركة تصنيع الأسلحة الأميركية General Dynamic and Ordnance Tactical System.
باستخدام البيانات مفتوحة المصدر والمتاحة للعامة من تحقيقات صور الأقمار الصناعية التي أجرتها شبكة سي إن إن وصحيفة ذا نيويورك تايمز، رسم المؤلفون خريطة لقطاع غزة ممثلة عليها مواقع الحفر التي تشكلت نتيجة لقنابل M-84 التي ألقيت من الجو. من خلال مطابقة هذه الخريطة مع البيانات المكانية التي حصلوا عليها من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ونظام "خرائط الشارع المفتوحة" (Open Street Map) تمكن الباحثون من قياس المسافات بين حفر القنابل والمستشفيات في قطاع غزة.
وأظهر تحليل البيانات أن حفرة قنبلة واحدة على الأقل كانت ضمن مسافة 800 متر من 83% من المستشفيات الـ36 بالقطاع، وكان تسعة من هذه المستشفيات فيها حفر قنابل M-84 ضمن نطاقات قرب خطيرة. "تدعم هذه الدراسة الأدلة التي تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي تجاهل حماية المستشفيات، التي يفرضها القانون الإنساني الدولي، من خلال النمط المنهجي لإسقاط قنابل M-84 الضخمة بالقرب من المستشفيات لإحداث أضرار جسيمة وإصابات ووفيات عن عمد"، تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة يارا عاصي الأستاذة المساعدة في كلية إدارة الصحة العالمية والمعلوماتية في جامعة سنترال فلوريدا في الولايات المتحدة.
تضيف عاصي في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن الفريق البحثي ركز على القنابل التي تزن 2000 رطل بسبب الحفر التي تتركها، فضلاً عن حجم الضرر الذي تلحقه بالمباني في البيئات البشرية المكتظة بالسكان. "وبالتالي فإن الضرر الذي يلحق بالمباني وإصابة أو قتل البشر ضمن النطاق المميت للقنبلة ليس جانبياً (كما يدعي الاحتلال)، بل هو في الواقع تأثير متوقع لهذه القنابل عندما يتم اختيارها بدلاً من الذخائر الأصغر".
تشير الباحثة إلى أن الأضرار التي لحقت بالمستشفيات بسبب هذه الذخائر وغيرها، سيكون لها آثار فورية وطويلة الأمد على صحة الفلسطينيين في قطاع غزة، إذ أدت هذه الهجمات إلى تعطيل العديد من المستشفيات في غزة، ما أدى إلى الحد كثيراً من قدرة المرضى على الوصول إلى الرعاية الصحية، ليس فقط للاحتياجات المتعلقة بالإصابات، بل وأيضا لأي احتياجات صحية أخرى، مثل العدوى، والأمراض المزمنة، والحمل والولادة، وما إلى ذلك.
"كما استُخدم العديد من المستشفيات كملاجئ لآلاف الأشخاص، واضطر موظفو المستشفيات إلى التعامل مع المرضى باستمرار في هذه الظروف، والجمع بين خدمات المستشفيات أو الحد منها، أو في بعض الحالات، عدم القدرة على علاج بعض المرضى بالكامل. لقد فرض هذا الدمار أيضاً ضغوطاً هائلة على المرافق التي (كانت) لا تزال تعمل (وقت الانتهاء من الدراسة) خاصة في الشمال، حيث معظم المستشفيات المتخصصة، ومستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في القطاع"، توضح عاصي.
تلفت الباحثة إلى أنه رغم أن القانون الدولي الإنساني ينص على حماية المستشفيات والعاملين الطبيين، فإنه "ولأكثر من عام، وفي كل حرب سابقة على غزة، رأينا هذه الحماية تنتهك تماماً بسبب الاتهامات الإسرائيلية (لهذه المستشفيات) بالنشاط الإرهابي، والتي لم تؤكَّد في جميع الحالات بأي دليل". تستنكر عاصي قبول "الجهات الفاعلة الخارجية" الرواية الإسرائيلية بأن هذه المستشفيات تضم "إرهابيين" من دون وجود دليل، رغم مناشدة العديد من الوكالات الإنسانية، مثل منظمة أطباء بلا حدود، ووكالات الأمم المتحدة المتعددة، باستمرار فرض هذه الحماية في غزة، من دون أي تغيير تقريباً في سلوك إسرائيل أو في سلوك حلفائها العالميين، وفي المقام الأول الولايات المتحدة.
يقول المؤلفون إن الدراسة كانت محدودة بسبب اعتمادها على معلومات الأقمار الصناعية، وبالتالي لا يمكن استخدامها لاستنتاج الأضرار الفعلية التي لحقت بوظائف المستشفيات أو الضحايا. إضافة إلى ذلك، كانت البيانات محدودة بفترة زمنية مدتها ستة أسابيع في أواخر عام 2023 والتي كانت صور الأقمار الصناعية متاحة لها ولا تعكس الوضع الحالي على الأرض.
نقلا عن العربي الجديد