تشتد حرب الاحتلال "الإسرائيلي" ضد المنظومة الأممية ليثبت أنه كيان مارق وأنه القاعدة العسكرية الغربية في الشرق الأوسط، التي تعمل وفق قواعد القوة الغربية وفوق قواعد القانون الدولي الذي وضعته تلك الدول ذاتها.
فقد أقر الكنيست "الإسرائيلي"، مشروع قانون يحظر على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) العمل في دولة الاحتلال، على الرغم من اعتراض الولايات المتحدة.
وأقر النواب المشروع بأغلبية 92 صوتا مقابل 10 أصوات معارضة، بعد سنوات من الحملة "الإسرائيلية" الشرسة على الأونروا والتي زادت منذ بدء الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.
ويحظر القانون عمل أونروا في القدس المحتلة ومصادرة مقرها الرئيسي في القدس، ويسحب امتيازات ويرفع حصانات موظفي أونروا.
وقال فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا، إن الحظر "الإسرائيلي" لعمليات الوكالة داخل مناطق الاحتلال لن يؤدي سوى لتعميق معاناة الفلسطينيين، وخاصة في غزة.
ومن المفارقات الساخرة في هذه الحرب أن لازاريني ذاته، في 30 حزيران 2024 يطالب العالم بالعمل على وقف الهجمات التي تتعرض لها الأونروا ومؤسساتها وموظفيها، مطالباً إياه بأن يتحرك لمحاسبة مرتكبيها.
وقال "لقد أسفرت الحرب في غزة عن تجاهل صارخ لمهمة الأمم المتحدة، بما يشمل الهجمات الشنيعة على موظفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين، وعلى مرافقها وعملياتها".
تتويج سنوات من الحرب الشرسة
قرار الكنيست يأتي بعد سنوات من الحملة "الإسرائيلية" التي طالما وصفت بالشرسة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، من خلال تاريخ طويل من انتقادات الاحتلال المتعمدة للأونروا فيما يتعلق بعمل ونشاطات المنظمة والتي اتهمت بأنها تحرض على "العنف" من خلال المناهج التعليمية، وآليات صرف المساعدات، أو بوجود الأونروا ذاته.
وقد سعرت دولة الاحتلال من حربها ضد الأونروا بعد السابع من أكتوبر العام الماضي وبدء الحرب على قطاع غزة، فقد تعمدت استهداف موظفي الأونروا الذين استشهد ما يقارب 200 منهم، وكذلك تعرض ما يقرب من 190 مبنى للأونروا للأضرار أو للتدمير.
كما تعرضت مدارس الوكالة للهدم، واستشهد مئات النازحين أثناء إيوائهم في مدارس الأونروا وغيرها من المباني.
كما قامت قوات الاحتلال باعتقال موظفي الأونروا في غزة، الذين أفادوا بتعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم في قطاع غزة أو في (إسرائيل).
ورغم كل الانتقادات التي وجهتها دولة الاحتلال للمنظمة الدولية سابقاً، لكن يتضح أن الحرب على قطاع غزة تشكل مفترقا خطيرا، كون الاحتلال انتقل خلالها من الانتقادات العلنية إلى قطع الصلة مع الوكالة وحظر عملها بعد قرار الكنيست وربما إعلانها منظمة إرهابية مستقبلا، وهو ما كان يتضمنه مشروع القرار الثالث الذي رفضه الكنيست وصوت على الأول "حظر عملها" والثاني "رفع الحصانة".
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قال في 31 يناير 2024، إن "الأونروا ليست جزءا من الحل، بل هي جزء من المشكلة… لقد حان الوقت للبدء في عملية استبدال الأونروا بهيئات أخرى غير "ملوثة بدعم الإرهاب".
وكان وزير خارجية الاحتلال يسرائيل كاتس صرح بأن الأونروا لن تكون جزءا من اليوم التالي في غزة، حيث يعمل مجموعة من أعضاء الكنيست على وقف التمويل للأونروا وإنهاء عملها، وعلى رأسهم شارون هاسكل، عضو الليكود وواحدة من أكثر أعضاء الكنيست نشاطا في تقديم تشريعات متطرفة معادية للفلسطينيين خلال العامين السابقين.
وتقول هاسكل: علينا أن نوقف "الأموال التي يتم تحويلها من مختلف بلدان العالم إلى الأونروا، وإزالة القناع الكاذب الذي يحيط بها".
وفي 15 فبراير 2024، أقر الكنيست مشروع قانون في قراءته الأولى يهدف إلى حظر عمليات الوكالة في أراضي 1948 والقدس المحتلة.
ما أهداف (إسرائيل) من حظر عمل وكالة الأونروا؟
إن الإجراءات المتخذة ضد الأونروا على مدار سنوات وعقود تكشف الأهداف الحقيقية لقرار الاحتلال حظر عمل الاونروا والتي تتلخص في التالي:
أولاً: شطب حق العودة الذي يشكل جوهر وصلب القضية الفلسطينية، حيث يعتبر الاحتلال أن استمرار عمل الأونروا يشكل ضربة لمحاولاته تصفية القضية ودليل على استمرار وجود اللاجئين الفلسطينيين وأزمتهم التاريخية، فإن استمرار عمل الأونروا يعني إعادة إنتاج قضية اللاجئين، وإعادة بناء وإعمار للمخيمات وبالتالي المساهمة في إدامة لقضايا اللجوء والنزوح وحق العودة.
كما أن وجود الأونروا والدعم المالي الدولي لها يعني استمرار الالتزام الدولي بالحل العادل للقضية واللاجئين وهو ما تضمنه صراحة قرار إنشاء الأونروا التي تأسست في أعقاب النكبة عام ١٩٤٨، بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين، وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من شهر أيار عام 1950.
ثانياً: تعميق الأزمة الإنسانية وسياسة العقاب الجماعي المتبعة ضد الفلسطينيين في أماكن عمل الوكالة الخمس (الضفة-غزة-الأردن-لبنان- سوريا) التي يتكدس فيها اللاجئون، حيث تعتبر دولة الاحتلال أن الأونروا تدخل أموالاً إلى مخيمات اللاجئين، وتقوم بإدارة جزء كبير من المدارس والمراكز الصحية والنقابات، وهو ما ترغب في تحجيمه وتدميره كجزء من حربها على الكل الفلسطيني.
ثالثاً ضرب المجتمع المدني الفلسطيني لدوره المهم في إسناد صمود وبقاء الشعب الفلسطيني وذلك عبر تعميق سياسة التجويع والسيطرة على المساعدات المالية والغذائية التي تقدمها الأونروا، إضافة إلى منع أي دور لها في عملية الاعمار في غزة تحديداً.
رابعاً: مقدمة للعمل على توطين الفلسطينيين حيث يسعى الاحتلال إلى أن حظر عمل الأونروا هو خطوة هامة على طريق شطب حق العودة وبالتالي بدء العمل على توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم كخطوة أساسية لإنهاء القضية الفلسطينية.
خامساً: دفع الفلسطينيين المتواجدين في فلسطين التاريخية إلى تركها عبر التهجير القسري بعد أن تجعل الحياة المدنية فيها شبه مستحيلة نظراً لكل سياسات الاحتلال التي جعلت جزء كبير من الفلسيين يعتمد على المساعدات الإنسانية والتي تعتبر الأونروا المؤسسة الأولى والأهم في تقديمها وحظر عملها يعني منع المساعدات عن فئة كبيرة منهم.