ليس ثمة إجابة شافية للمتابعين حول ما يدور في كواليس الغرف المغلقة؛ باستثناء ما يعبر عنه سياسيو الحركتين حماس وفتح؛ حول مجريات ما يدور بشأن اليوم التالي للحرب.
مصطلح اليوم التالي؛ الذي اتفق عليه الفلسطينيون حصرا أن يكون فلسطينيا لا يفرض فيه الاحتلال مقررات المرحلة القادمة تدور حوله مناورات المشهد السياسي بأسره؛ خاصة وأنه السؤال الذي تكرر طويلا في أروقة الأمريكي والعربي؛ ماذا بعد حماس؟!
طرح السؤال للمرة الأولى بعد 3 أشهر من المعركة على الطرف الفلسطيني الرسمي؛ يومها قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رمزي رباح، إن الأمريكيين كانوا على ثقة بأن الحرب ستنتهي في غضون 3 أشهر؛ وأن العمل يجري لإيجاد بديل.
كان أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، يطوف عواصم العرب ويلتقي مع زعمائها؛ بثقة الوقت أولا والانتصار الحاسم ثانيا، كنتيجة مقضية بإقصاء المقاومة في غزة وإنهاء سيطرة حماس عليها.
السيطرة التي كانت تعني بالمفهوم الأمريكي الإسرائيلي وأوساط أخرى؛ سياسة ناجعة في إخضاع الحكم على حماس على قاعدة وزير إرهاب الدولة العبرية السابق افيغدور ليبرمان "سياسة التنفس حتى الأنف"، أي إغراق الحركة في الهموم اليومية للمواطن الفلسطيني في غزة.
سياسة امتدت لأكثر من 17 عاما من الحصار؛ فيما تراه أمريكا انتصارا سياسيا لها؛ ترى في نقيضه ذات الانتصار؛ فيما يبدو للمقاومة مطلبا استراتيجيا ترتكز فيه على فكرة رفع الحصار الكامل، ورفع القيود عن النظام السياسي الفلسطيني المرهون بلاءات واشنطن وحلفائها، والعمل على إعادة رسم المشهد بإرادة فلسطينية كاملة.
لكن ما يدور في كواليس المشهد؟؛ للإجابة تحضر وفق المراقبين ثلاثة مسارات مختلفة؛ يتمثل كل منها في مشهد يختلف في مقارباته عن الآخر؛ وفي جميعها تنصبّ حول هدف يحيد ماهية النظام السياسي، وينشئ لوظيفة سياسية.
المسار الأول؛ يتابعه لجنة إدارية؛ تابعة للسلطة ويسمى رئيسها من طرف رئيس السلطة محمود عباس؛ وكان متفقا وفقا لكواليس المتابعة أن يعلن عنها عباس بعد لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ وهذا لم يتم؛ ليمنح مؤشرا سلبيا حول الاتفاق عليها.
تدور المفاوضات حول التفاصيل؛ التي تختصر "سلموا كل شيء مقابل لا شيء متعلق بالموظفين ولا أسرهم ولا عوائلهم؛ رغم كل التنازلات؛ لا ضمانات لشيء"، ثم لا تبعية سوى للسلطة التي لن تقوم بدور شامل وكامل في القطاع؛ هذا مما يدور في كواليس مشهد يرفض قادة حماس أو المتحدثون باسمها التعليق عليه.
أما المسار الثاني؛ فيبدو مختلفا، وفي ملامحه يتضمن الحديث عن لجنة أخرى بمنظور إماراتي سعودي؛ أو بالمعنى الأدق "الدول التي ستدعم الإعمار"، هذه اللجنة يسمي رئيسها رئيس السلطة محمود عباس بوصفه الرئيس؛ ثم يترك العمل له ليختار فريقه دون تدخل من السلطة.
هذه اللجنة وفقا لناصر القدوة عضو اللجنة المركزية السابق بحركة فتح؛ لا ترغب بتدخل السلطة المباشر فيها؛ لوجود خشية وريبة لها في رغبة السلطة؛ التي تتلخص وفقا لحديثه "أطماع في الإعمار والرغبة في الحصول على قرشين من غزة".
يرجح القدوة أنّ هذه اللجنة تختلف في جوهرها عن اللجنة التي يدور الحديث عنها بين حماس وفتح برعاية مصرية؛ أي أن الحديث يبدو عن لجنة أخرى؛ لا حماس فيها ولا فتح!؛ كما يرجح.
في المسار الثالث؛ يعلن رجال أعمال من قلب القاهرة برئاسة بشار المصري؛ عن توزيع المساعدات من قلب المدينة الصناعية؛ المصري الذي جمع بعض رجال الأعمال في غزة باجتماع مفاجئ؛ بعد صمت مطبق لعام لم يذكر فيه أي دور إغاثي أو ما يتعلق بالقطاع؛ بعدما احتفظ بسلسلة زيارات سابقة فيها.
ثمة قراءة مختلفة لهذا المسار يرتبط في جوهره، سعي إسرائيلي متواصل لإيجاد مسار ثالث يعمل من خلاله على تشكيل لجان محلية بأي شكل كان؛ خاصة بعد محاولات سابقة له وقد فشلت في الاستعانة بالعوائل والعشائر ولجان محلية؛ خيار تحاول فيه دولة الكيان عبثا إنشاء كيان وظيفي بوجه النشاط الاقتصادي والتجاري؛ وبعيدا عن مفاعيل السياسة الفلسطينية.
بين هذه الخيارات؛ تقف المقاومة الفلسطينية متمسكة بموقفها؛ الذي يؤكد أن اليوم التالي لا يمكن إلا ان يكون فلسطينيا؛ وأن ظروف المرحلة بكل تعقيداتها لن تفرض خياراتها على إرادة المقاومة؛ وأن الحرب وإن بدت سيولتها في القطاع ولبنان؛ لكن تدفقها لن يقف عن حدود المشهد هنا؛ والحكم على النتائج قد يبدو مبكرا؛ لمشهد يرسم صورة أكبر بكثير من الواقع في غزة أو في المنطقة أساسا.