لا يخلو أي تهديد (إسرائيلي) من اسم برج البراجنة، كل يوم يهدم الاحتلال عمائر كبيرة في المنطقة التي كانت قرية، ثم احتضنت مخيما للاجئين الفلسطينين في لبنان، ولها في هذه الإبادة التي يمارسها المحتل على غزة ولبنان النصيب الأكبر من الدمار.
برج البراجنة، واحدة من ضواحي بيروت الأثرية التي سميت على اسم أقوام البراجنة الثائرين على واقعهم السياسي في جبل لبنان، الذين تمردوا على الأمير فخر الدين الذي حكم لبنان من سنة 1590 إلى سنة 1635.
.
والبراجنة هم قوم لا يعرف التاريخ لهم أصلا، لكنهم عرب هاجروا إلى المنطقة قبل بناء البرج، الذي نسب إليهم ومنه استمدت القرية اسمها، فقد جاء تاريخ بيروت لصالح بن يحيى، في معرض كلامه عام 1450م ذكر لهؤلاء البراجنة الذين كانت لهم جهات بجوار أمراء الغرب.
وتنتشر في أرجاء القرية الكثير من الأراضي الفسيفسائية، أكواخ قديمة مختلطة ببيوت جديدة الطراز، والتي تجعل من القرية مزارا تاريخيا مهما، تستقبل الكثير من السياح.
ثم دخلت قرية برج البراجنة تاريخا جديدا حينما تحول جزء منها إلى مخيم إثر النكبة الفلسطينية، وخصص فيها مكان لبناء مخيم للنازحين، وفي العام 1970 كان عدد الفلسطينيين اللاجئين ما يقارب 17 ألف لاجئ.
واليوم، تعود النكبة إلى برج البراجنة، 90% من أهالي المخيم الفلسطينيون تركوا المنطقة، موزعون في الطرقات، أو عند أقارب ومعارف لهم، يهاجرون مرة أخرى ويحملون فوق أكتافهم نكبة أخرى، وضاق المخيم تدريجيا بالموت الذي يهجم عليه.
الاحتلال اعتاد أن يبدأ القتل من المخيمات، وهكذا كان المخيم شريك القصف والقتل في كل الحروب اللبنانية، في سعيه لقتل قضية اللاجئين، فركز على المكان الأكثر تمركزا للاجئين اجتمعوا من لبنان واليرموك.
تقول أمل مختار الباحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية: "ظل الفلسطينيون النازحون داخلياً أو اللاجئون في دول الجوار، لبنان والأردن وسوريا، لعقود مرتبطين بفكرة المقاومة واستخدام العمل المسلح لتحقيق حلم العودة."
وتضيف أن "هذا مسار ملئ بالأحداث والانعطافات بداية بهزيمة 1967 ونشأة منظمة التحرير الفلسطينية، حتى سطوع نجم حركة حماس في أزقة المخيمات، كل هذه الأحداث كان لها انعكاساتها داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان.
بينما يرى سياسيون أن "عملية طوفان الأقصى أعادت تصحيح بوصلة السلاح الفلسطيني في المخيمات وجدّدت مشروعيته".
ويرى تحقيق أعدته صحيفة النيويوك تايمز أن التجنيد للحركة الفلسطينية وجناحها المسلح، كتائب القسام، في تزايد مستمر في مختلف تجمعات اللاجئين الفلسطينيين الاثني عشر في لبنان. ويقولون إن مئات المجندين الجدد انضموا إلى صفوف المقاومة في الأشهر الأخيرة.
ويقول التحقيق إنه في زيارة نادرة إلى المخيمات اللبنانية، رأى صحفيون من نيويورك تايمز ملصقات تحمل صورة المتحدث باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، في كل مكان، وكانت عيناه تطلان من وشاح باللونين الأحمر والأبيض، تلثم به وهو يناشد السكان "القتال في سبيل الله".
كثيرة هي الاستهدافات، لكن الاحتلال يعرف نقطة البداية والنهاية في لبنان وقطاع غزة، فمثلما بدأ القتل من جباليا، ولا زال يركز على المخيم بدأه أيضا من مخيمات لبنان، وكأنه يعلم، بأن للاجيء نظرة أخرى، فهو وإن طالت السنوات، ليس له طريق إلا العودة ثم الثأر وهذا كابوس يرعب الاحتلال.