قائد الطوفان قائد الطوفان

عائلته استشهدت برفقتها

هل تذكرون الطفلة هند؟ ... ابن عمها يحكي القصة كاملة

الأمير حمادة- عائلته استشهدت برفقة الطفلة هند
الأمير حمادة- عائلته استشهدت برفقة الطفلة هند

متابعة - الرسالة نت

"كل يوم أحلم بهم ، يقولون لي إنهم مسافرون، رأيت أبي، ورأيت أمي وكانوا يطمئنوني عليهم، يقولون إنهم بخير".
اسمه الأمير حمودة حمادة، يقيم باسطنبول لأجل الدراسة، وصلته القصة كما وصلت للعالم، رحلوا قبل تسعة أشهر دفعة واحدة، معا، دون أن يلقي عليهم كلمة وداع.
يتكلم بهدوء، يفكر بالكلمة، تخرج الكلمات بسيطة من بين شفتيه ومختصرة، لا زالت تفاصيل الصدمة بادية على ملامحه لم يستوعبها، ثقيل عليه الكلام لشدة حزنه.
يقول أمير وهو يرتجف: "قطعت الاتصالات، كانت المكالمات المتبقية تأتي صدفة، في أول الحرب، قبل أن تختفي تماما وتنقطع، عشت معهم حروبا سابقة، لكن مثل هذه الحرب لم أرَ في حياتي، وأعرف أنها ليست مجرد حرب".
 وأخذ القلق يأكل قلب الشاب المغترب، يخاف من مشاهدة الأخبار، ويتذكر أنهم قالوا له في المكالمات النادرة: "لا يوجد شيء، ادرس فقط، لا تقلق، كانت أخر مكالمة بيني وبينهم مازحني وقال:" قل لأردوغان يوقف الحرب، الحرب التي لم يشهد التاريخ مثلها، المعاناة التي تحملوها كانت فوق الخيال، قبل استشهادهم بيومين قالت لي أمي :" نحن بخير، لا تخف"، نزحوا من منزلنا شمال قطاع غزة من أول الحرب، لأننا نسكن على الحدود الشمالية، وحينما اشتدت الحرب نزح أهلي عند أقاربنا في شارع الوحدة، لم يقبل أبي أن ينزح للجنوب، نزح أعمامي كلهم، كان يوما عاديا ذلك اليوم وهم في طريقهم إلى منزل عمي ليختبئوا فيه،  حدث كل ذلك.
يكمل الأمير:"  وبالمصادفة فصل الإنترنت لديّ لمدة ساعتين، وحينما فتح الإنترنت رأيت رسائل من كل مكان، فتحت الانستجرام رأيت مناشدات الجيران بأن أهلي مصابون، ويطلبون من الإسعاف التوجه إلى حيث فقد الاتصال بهم قرب جامعة الأزهر.
كلموني أصدقائي، قالوا إنهم يريدون مقابلتي سريعا، ذهبت إليهم لأقابلهم، كنت مرتبكا، خائفا، ولا أريد أن أصدق، كلمتني خالتي وسألتني، ولم أجب، لأنني لم أعرف، ولم أكن متأكدا، ثم هاتفتني مرة أخرى وقالت لي بأنهم جميعا استشهدوا.
يقول:" بدأت القصة حينما نزحوا معا،  أمي وأبي وأخواتي الثلاث وأخي محمد، والطفلة هند وأمها ابنة عمي وبعض الأقارب، يومها قال أبي لزوجة عمي فلتركب هند معنا حتى لا تسير المسافة الطويلة، كانوا في طريقهم للنزوح إلى شارع الوحدة هربا من الدبابات وهناك عند الجامعة أطلقت النار عليهم".
ظلت أختي ليان مصابة وتنزف، وبجانبها هند، واستشهد الجميع، وحاولت ليان أن تهاتف الصليب الأحمر، أخبرتهم أنها مصابة كانت مصابة برجلها، وطلبوا منها أن تنزع غطاء رأسها وتربط قدمها حتى يتوقف النزيف، تحفظت أن تنزع غطاء رأسها، ولكن الطبيب أصر عليها أن تفعل، ثم انتهت المكالمة بصرخاتها وصوت إطلاق الدبابات.
استشهدت ليان مع أمها وأبيها وأشقائها، وبقيت هند، التي ظلت تبكي، وتحاول إعادة الاتصال من الهاتف الذي تحمله الشهيدة ليان،  وتناشد الصليب الأحمر، ظلت تقول الدبابات تقترب.
ثم اختفى صوت هند وانتهت الحكاية حينما انقطع الاتصال تماما.
هند كانت بنت عمي، ولم تكف السيارة أن تركب عائلتها مع عائلتنا، أكملوا طريقهم سيرا، وأخذ أبي هند لأنها صغيرة، ظلت مكالمة هند معلقة خمسة عشر يوما، بعد ذلك استطاعوا أن يدخلوا بعد انسحاب الدبابات.
وصل والد هند، تفاجأوا بأن الإسعاف الذي كان متوجها لإنقاذهم محروق إلى جانبهم، والمسعفون استشهدوا أيضا، وانتشلوا الجثث كلها ودفنوهم.
ذكريات تركوها خلفهم، أخبروا الأمير بها لاحقا:" نقود أهلي تبعثرت في السيارة، وأغراضهم، وذهب أمي سرقه الجنود من معصمها، وكانت آثار السرقة بادية على يديها".
كانت الأخبار والمواقف تتوافد إلى الأمير، وحينما سمع صرخات شقيقته ليان، وبعدها ابنة عمه هند، سكنه الألم، لم يرض عمه وأولاد عمه أن ينقلوا له أي صورة لهم وهم شهداء. يقول:" لا دليل لدي، أتخيل أنهم لازالوا أحياء، كل ما يعيدني إلى الواقع ويقذف الحقيقة في وجهي هو صوت أختي ليان وهي تصرخ، وبعدها صوت الطفلة هند، لذلك كلما رأيتهم في المنام قالوا لي إنهم مسافرين وسيعودون قريبا".
يتذكر الأمير أن والده هاتفه بعدما تركه للدراسة في تركيا نادما لشدة شوقه إليه:" قال لي لماذا أرسلتك، أنا كنت أريدك أن تكبر لتظل إلى جانبي، لماذا وافقت على دراستك في تركيا"  لقد كان أبي صديقي الأول.
يبتسم أمير، يقول:" أريد أن أتزوج لأنجب أربع بنات وولدين لأسميهم على اسم أخوتي وأمي وأبي، كلما شعرت بالشوق إليهم أذهب للصلاة وأشعر بالسلام في داخلي، وأتمنى أن يكبر الإسلام أكثر، ويعود المسلمون إلى ربهم حتى لا نظل أمة ذليلة".


المصدر: من شهادة بودكاست

البث المباشر