بدا كل منهم كمقاتل يملك رصاصته الأخيرة، سلاحا لم يجدوا غيره للتعبير عن تضامنهم مع غزة، حيث سجل إضراب 61 متضامنا عن الطعام في الأردن لأجل غزة، ثم بعد أن بدأ عددهم بازدياد شكلوا جماعة مستقلة، يلتقون كل يوم في وقفة تضامنية لليوم السابع والعشرين على التوالي، بدأت بالتجمهر أمام السفارة الأمريكية في عمان، رافعين لوحات كتبوا عليها:" أنا مضرب عن الطعام، أنا لا أحب الموت، لكنني أرفض التخاذل".
يتمدد كثيرون منهم الآن وقد خارت قواهم جوعا، وسجلت حالات انخفاض حاد بالسكر وإغماءات، ولسان حالهم يقول:" هل نأكل الطعام وغزة جائعة"، وكل يوم يخرجون ببيان صمود واستقطاب للمتضامنين في المملكة الأردنية.
يأتي ذلك بعد استنفاد كافة الجهود الممكنة، حسب قولهم، ورغم أنهم بدأوا تظاهراتهم تضامنا مع غزة منذ اليوم الأول للحرب، والتي لا زالت مستمرة، تظاهرات يومية، مراسلات سياسية، مقاطعة اقتصادية، وغيرها من سبل الضغط لتحقيق موقف عالمي لوقف جرائم الإبادة وحرب التجويع المستمرة والمتزايدة ولكن دون استجابة.
ومع تصاعد التواطؤ العالمي مع الكيان الصهيوني والصمت المطبق للشعوب، بل ولا مبالاة القتلة، واستفحال الاحتلال ومن خلفه أمريكيا بعملية الإبادة حد البشاعة وتعزيز ذلك الظلم بمنع إدخال الطعام والكساء والأغطية وحتى الخيام، قرر هؤلاء الشباب أن يشاركوا شعب غزة جوعهم، كحل أخير ربما يكون له مكترث، أو حتى تقوم الحكومة الأردنية بواجبها الأخلاقي وتضغط على السلطات الإسرائيلية لوقف جرائمها في شمال غزة وكل القطاع، كما قالوا.
بل وذكروا في بيان اليوم الأول لإضرابهم:" سنواصل هذا الإضراب حتى يُرفع الحصار وتُسمح للشاحنات المحملة بالمساعدات بالدخول إلى شمال غزة وكل القطاع، حيث يواجه مئات الآلاف الموت بالتجويع والعنف والتهجير".
يهتفون كل يوم وهم جياع:" على المذلة ما بنام، ذوقوا هالآلام، لا سلام ولا استسلام".
يقول محمد الطوباسي وهو أحد المضربين الأردنين عن الطعام:" نتقاسم الوجع مع أهلنا في غزة، نحن كشعب أردني لسنا مناصرين ولا متضامنين، نحن أصحاب القضية، وعلى هكذا تربينا، أنا جوعان، وتعبان، وقدماي تؤلماني، وكلما شعرت بالتعب أكثر سأشعر بقيمة ما أفعله".
وقال الشاب الثاني محمد عودة:" نقول لحكومتنا الأردنية إن لديها طرق كثيرة للضغط على الاحتلال، وقف التعامل التجاري، منع الشاحنات بالمرور إلى أراضينا، أو المقايضة بأن يسمح الاحتلال بدخول شاحنات لنسمح لشاحناته بالدخول، لقد طالبنا مرارا ولم نجد أي تجاوب، فقررنا الجوع حتى تستمع الحكومة لمطالبنا".
واليوم رفع الشباب بكل إصرار لوحات كتب عليها اسم السنوار، كهدف يسعون للوصول إليه، ومعيار للبطولة والاستبسال، وأصروا على استمرار الإضراب، رغم حالات الإغماء التي طالت كثيرا منهم.
داليا دلال شابة أردنية مضربة مع زملائها منذ الأول من هذا الشهر:" نحن كشباب أردني دخلنا الإضراب وكان مطلبنا الأول إدخال 500 شاحنة إلى شمال قطاع غزة ومن ضمنها أدوية لمستشفى كمال عدوان، ونرى أننا يمكن أن نشكل ورقة قوية في يد حكومتنا لاستخدامها للضغط على (إسرائيل).
وتضيف دلال:" وصل عدد المضربين إلى 61 شخصا مسجلين لدينا، وتشكلت لجنة صحية لمتابعتهم والإشراف عليهم من قبل أطباء وممرضين متطوعين".
الإضراب يزداد اتساعا، خاصة حينما شكل له مقر في مركز مناهضة الصهيونية وحزب جبهة العمل الإسلامي، ويزداد العدد كل يوم، وهؤلاء الشباب يعلمون أن صحتهم ربما إذا زاد عدد أيام الإضراب لن تعود كسابق عهدها، ولكنهم الأردنيون، خرجوا من بداية الحرب ولا زالوا يخرجون، حاول كثير منهم اختراق الحدود، وعقولهم لا تستوعب أن هناك فتكا وظلما يمكن أن يتحمله بشر كما تحملته غزة، لذلك رفعوا راية التضامن معهم حتى آخر ورقة، ولا زال التضامن يزداد ويتمدد.