قائد الطوفان قائد الطوفان

جنين ... منذ متى أصبح المخيم مختطفًا؟!

جنين - خاص الرسالة نت

بدأت المعركة في جنين، وربما كان ذلك من غباء من خططوا لها. فالمخيم، الذي يعرفه أهله عن ظهر قلب، لا يمكن أن يكون مكانًا تُفرض فيه إرادة غريبة. 
هناك، في أزقة المخيم الضيقة، يحفظ الأهالي وجوه المقاومين عن ظهر قلب، وهم الذين طالما كانوا عنوانًا للصمود والحرية. هؤلاء المقاومون الذين لا تقبل قلوب أهل جنين سوى أن يكونوا حماة الأرض، هم الحقيقة الوحيدة التي لا تحتمل الشك أو المساومة.

ثم تأتي السلطة لتسميهم "الخارجين عن القانون"، وتعتقد أنها تستطيع القضاء على هذا الارتباط العميق بين المخيم وأبنائه. فكيف يمكن للسلطة أن تعتقد أن خطتها ستحقق النجاح في مخيم يعرفه أهله جيدًا، وهم الذين راهنوا دومًا على هؤلاء المقاومين الذين كانوا حماة حياتهم وحريتهم؟ وكيف ستنجح في تفريغ المخيم من حراسه الذين لا يمكن أن تنحني إرادتهم أمام أي قوة مهما كانت؟

في هذه الأجواء المعقدة، بدأت الحملة الأمنية تحت اسم "حماية وطن" لتحرير المخيم المختطف. أجل، هكذا قالت السلطة!
أمر رئيس السلطة محمود عباس الأجهزة الأمنية بالسيطرة الكاملة على مخيم جنين، ووجه تعليماته إلى القادة الأمنيين بتنفيذ العملية بأي ثمن كان. لم يكن قرارًا سهلًا، وبدأت الحملة تحت اسم "حماية وطن"، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا عن الاسم الذي حملته الحملة.

بدأت الحملة بعد استشهاد قائد كتيبة جنين يزيد جعايصة، ما دفع إلى مفاوضات طويلة بين الأجهزة الأمنية والمقاومين في المخيم. طلبت السلطة الفلسطينية من المقاومين إلقاء أسلحتهم، لكنهم رفضوا، معتبرين أن سلاحهم هو الوسيلة الوحيدة للدفاع عن الأرض.

في هذه اللحظات، بدأ النزاع يأخذ طابعًا أكثر عنفًا، وازدادت الاشتباكات بين الأجهزة الأمنية والمقاومين، وسط حديث عن استهداف السلطة للمدنيين في ظل الحملة الأمنية.

في محاولة لتبرير الحملة الأمنية القمعية، قال الناطق الرسمي باسم أجهزة السلطة العميد أنور رجب: "تمكنا من إحباط كارثة في مخيم جنين، وذلك بالسيطرة على مركبة مفخخة أعدها الخارجون عن القانون."

وزعم رجب أن هذه المركبة كان من المقرر تفجيرها وسط المواطنين وعناصر الأجهزة الأمنية، في إطار "عمل إجرامي جبان يعكس نهجًا داعشياً دخيلًا على قيمنا وأخلاقنا الفلسطينية، ومتناقضًا مع مسيرة نضالنا الوطني."

عمل إجرامي جبان؟! هل يعتقد العميد أنور رجب أن هذا الكلام يمكن أن يقنع أهالي جنين؟ كيف يمكنه أن يظن أن مخيمًا صغيرًا يعرف أهله بعضهم بعضًا، حيث كل شارع وكل زاوية تحكي قصصًا عن مقاومين كانوا بالأمس جزءًا من جدران المخيم، سيصدق هذه المزاعم؟

المخيم ليس مكانًا يمكن أن تُنقل فيه الشائعات أو الافتراءات بسهولة، فهنا لا مجال لتزييف الحقائق. أبناء المخيم يعرفون بعضهم جيدًا، ولا يمكن أن ينكروا أو يشككوا في مناضليهم. إنهم ليسوا مجرد "خارجين عن القانون" كما تدعي السلطة، بل هم المقاومون الذين نشؤوا في أحضان هذا المكان، وتربوا على قيمه، ووقفوا في وجه الاحتلال بكل شجاعة.

هذا التبرير الركيك لم يكن مقنعًا لكثيرين في المخيم، الذين رأوا في الحملة محاولة لضرب المقاومة وتصفيتها، متسائلين: هل هذا هو حقًا هدف الحملة؟ أم أن الهدف هو القضاء على من يقف في وجه الاحتلال؟

ومع استمرار الحملة، كانت المشاهد في المخيم أكثر قسوة. أُطلقت النيران على النساء اللواتي خرجن للدفاع عن أبنائهن المقاومين، وسقط العديد من المدنيين. لم تعد الحملة مجرد تصفية للمقاومين في المخيم، بل كانت بمثابة إعلان حرب على روح المقاومة التي لطالما ارتبطت بهذا المخيم. فهل من الممكن أن يصبح المخيم الذي كان رمزًا للمقاومة مختطفًا بأيدٍ فلسطينية؟ وهل سيتحول اسم "حماية وطن" إلى ستار لإخفاء الحقيقة التي لا يريد الجميع الاعتراف بها؟

ووسط هذا العنف، يعود محافظ جنين كمال أبو الرب ليحارب المقاومة بتواطؤ مع الاحتلال، حيث يصف المقاومين بـ "الخارجين عن القانون"، ويهدد بالقضاء عليهم، متناسيًا أن هؤلاء المقاومين هم أمل المخيم وأبناؤه الذين لا يقبلون المساومة على الأرض.

الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين أكد ما كان يتنبأ به الكثيرون: فالحملة لن تحقق أهدافها. وأشار جبارين إلى أن السلطة الفلسطينية قد حاولت في الماضي تنفيذ عمليات مشابهة في المخيم، لكنها فشلت في وقف عدوان الاحتلال. وأضاف أن "إسرائيل" تدرك جيدًا أن الضغط يولد المقاومة، وأن أي حل أمني لا يمكن أن ينجح طالما استمرت ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.

أشار جبارين أيضًا إلى تصريح رئيس الشاباك السابق الذي قال: "لو كنت فلسطينيًا، لقاومت إسرائيل." وهو ما يعكس …

البث المباشر