يعرف الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي بعنجهيته وغطرسته العالية ويشتهر بذلك في تعاملاته مع الوطن العربي والعالم الإسلامي وكافة القضايا المتعلقة بالإسلام وذات صلة ببلداننا العربية ،وتعتبر علاقة فرنسا مع العالم العربي والإسلامي في فترته الرئاسية هي الأسوأ علي الإطلاق ، وهو رجل أجنبي ومن خارج الحلبة الفرنسية التقليدية وتعود أصول عائلته إلي غير الجنسية الفرنسية حيث هاجر أبوه من المجر وأُمه يهودية الديانة لذا تجده دوماً مناصراً لقضايا اليهود ويدعم حقوقهم المزعومة ويبدي إعجابه بأمريكا ويتحمس للنهضة الاقتصادية ببريطانيا.
ولا غرابة أن تطال عنجهيته هذه شعائر الإسلام العظيم كالنقاب الذي حاربه بشدة وأصدر قانوناً يمنع النساء من ارتدائه ،وصيام شهر رمضان الذي يريده علي طريقته التي لا يعتبر فيها تناول القهوة الفرنسية في الصباح مفسدا للصيام كما قال بمحاضرة له أمام جمع من مسلمي فرنسا، وليست مهاجمته لصلاة التراويح ببعيدة عن الأذهان حينما قال أنه لا يمكن أن تكون صلاة مسلمي فرنسا كصلاة مسلمي الشرق تستغرق وقتاً طويلاً بعد العشاء لذا فإنه أصدر قراراً جمهوريا يقضي بإغلاق المساجد لأبوابها بعد صلاة العشاء مباشرة حتى ينصرف الناس لبيوتهم ويستمتعوا بمشاهدة برامج التلفزيون الفرنسي علي حد زعمه وتعبيره.
ولم يتخلي ساركوزي يوما من الأيام عن دعمه (لإسرائيل) بل انه لا يخفي ميوله الصهيونية التي لها التأثير الأهم في سلوكه السياسي ،وبالمقابل لا تقصر الدولة الصهيونية المزعومة في مبادلته الود والتقدير علي غرار ما حدث حينما أصدرت بمناسبة عيد ميلاده في28 يناير عام 2007 طابعاً بريدياً يحمل صورته، ويقابل دعم ساركوزي السياسي غير المحدود (لإسرائيل) مثله من العداء غير المحدود لتركيا التي يشكل أمر انضمامها للاتحاد الأوربي عقدة مشدودة الوثاق بوجدانه وأحلامه وتكاد هذه العقدة لا تفارقه ساعة من ليل أو نهار حتى أنها تجعله لا يكف عن تكرار رفضه لعضوية تركيا بالاتحاد بمناسبة ودون مناسبة كان أخرها تصريحه من مدينة (نيم) بجنوب أفريقيا عندما قال إن تركيا تتقاسم مع أوروبا جزءا من مصيرٍ مشترك وهي مدعوة لتبني معنا علاقات مميزة ولكن ليس مصيرها أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي ،ويبدو أنه يعاني من عقدة تركيا عامة ومن جهودها المتواصلة للحصول علي العضوية الأوروبية بشكل خاص.
كل ما سبق من أفكار ومعتقدات ومشاعر ساركوزية فاشلة حمل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان علي أن يُلقن الرئيس الفرنسي المغرور درسا في الأدب والأخلاق التي لا يعرف منها شيء وفي التاريخ والأعراف الدبلوماسية أيضا جاء هذا الدرس بعدما رفض ساركوزي أن يقوم بزيارة دولة رسمية لتركيا ،واختار زيارتها كرئيس لمجموعة العشرين وقرر أن تكون الزيارة قصيرة جداً ولا تتجاوز 6 ساعات فقط مما أثار استياء تركيا ورئيس وزرائها الشجاع فضلاً عن الاستياء الحاصل منه أصلاً جراء موقفه الرافض لانضمامها للاتحاد ،كان درس أردوغان لساركوزي عبارة عن إهانة لم تخطر ببال الأخير حيث قرر أردوغان تقديم هدية تذكارية لضيفه ساركوزي أثناء زيارته لأنقرة في الأول من مارس الجاري الغرض منها إحراجه وتذكيره بفضل تركيا علي بلاده ،ولا تستغربوا أن الهدية هي عبارة عن نسخة مكبرة من رسالة كتبها السلطان العثماني سليمان القانوني عام 1526 رداً علي رسالة استغاثة بعث بها له فرنسيس الأول ملك فرنسا عندما وقع أسيراً في يد الأسبان وطلب فيها العون من الدولة العثمانية لتحريره ،وطمئنت الرسالة الملك الفرنسي الأسير بأن السلطان العثماني سيخلصه من الأسر وبالفعل أرسل إليه آنذاك قوة عسكرية مخضرمة حررته من أسره وأعادته لبلاده، لتغلب في هذا الدرس استاذية أردوغان عنجهية ساركوزي المغفل لعله يتعلم كيف يتعامل مع الأمم الكبيرة ورجالها الذين يفهمون التاريخ.