غزة – كارم الغرابلي
بعد الحرب الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة التي دمرت جانبا كبيرا من المؤسسات الأمنية شهدت تجارة المخدرات والمنشطات الجنسية بمختلف أنواعها نشاطا غير مسبوق عبر شبكات منظمة يشكك البعض في ارتباطها " بإسرائيل " وأغرقت غزة بمئات الكيلوات من أنواع المخدرات فضلا عن ألاف حبات الحبوب التي تذهب العقل في محاولة جديدة لإغراق المجتمع الفلسطيني بالانحلال والتفكك ، في المقابل نشطت المؤسسة الأمنية في غزة وباتت عيونها تتسمع أكثر لكل وارد من الخارج سواء عبر الأنفاق أو من خلال المعابر الخمسة التي تتحكم بها " إسرائيل ".
ولم تعد ظاهرة الاتجار بالمخدرات اجتماعية أو اقتصادية فحسب حيث باتت كما يعتقد الغزيون لها علاقة بالصراع الفلسطيني الصهيوني ، ويبدو أن ثمة إرادتان تلعبان دورا مهما في وجود هذه الظاهرة ،إحداها " إسرائيل " تريد أن تكرسها ، وأخرى " حكومة غزة " تسعى جاهدة وبكل قوتها مقاومتها ومنعها ولو من داخل خيمة .
حرب مستمرة
فقد دأبت المخابرات الإسرائيلية منذ سنوات إسقاط ضعفاء النفس وعديمي الخبرة من الفلسطينيين من خلال ترويج وتهريب المخدرات ،في المقابل نجحت الأجهزة الأمنية في غزة في عمليات عديدة ومفاجئة في إفشال العديد من هذه المحاولات من خلال ضبط العشرات من أنواع المخدرات ومروجيها إلى جانب عشرات العقاقير الطبية المحظورة التي تستخدم كبديل عن المخدرات التقليدية .
وكانت آخر العمليات حين نجحت الشرطة في ضبط كميات كبيرة من المخدرات تم تهريبها عبر بيت حانون "إيرز"، وإلصاقها أسفل سيارة أحد الأشخاص أثناء مروره إلى غزة، كما تم مصادرة كمية أخرى من المخدرات والخمور هربت بواسطة عدد من المواطنين والسيارات.
كما نجحت إدارة مكافحة المخدرات في ضبط أكثر من 200 فرش حشيش تم تهريبها عبر معبر ايرز شمال غزة حيث تبلغ قيمتها 250 ألف دولار .
ودفعت عمليات التهريب التي نشطت بصورة كبيرة عبر المعابر الصهيونية الحدودية المتصلة بالقطاع، الشرطة الفلسطينية لإخضاع كل ما يمر عبر هذه المعابر للتفتيش والرقابة حتى تقطع الطريق على من يحاول ضرب الجبهة الداخلية ويسعى لنشر الرذيلة.
وتعتمد المخابرات الصهيوني على المخدرات بشكل كبير في تدمير المجتمع الفلسطيني من خلال إسقاط الشباب ومن لم تستطع إسقاطه تعمل على تحييده عن المعركة من خلال تضييع عقله ونفسه بتعاطي المخدرات.
وفي هذا الجانب أكد النقيب صابر خليفة من مكافحة المخدرات أن الحرب بين الفلسطينيين وإسرائيل "تدخل في ميادين عدة، منها محاولة المخابرات الإسرائيلية هدم أخلاق الشباب والفتيات في الضفة الغربية وقطاع غزة"، مشيراً إلى أن كميات كبيرة من أنواع متعددة من المخدرات، تم ضبطها داخل السلع التي تسمح إسرائيل بإدخالها.
وقال خليفة في تصريح صحفي: "من خلال التحقيق مع تجار المخدرات، أكدوا أن المخابرات الإسرائيلية تتساهل في تحصيل أموال بيع المخدرات داخل غزة"، في أشارة لنيتهم إغراق مدن غزة بالمخدرات.
وأكد خليفة أن وحدة مكافحة المخدرات نجحت في أعقاب الحرب في ضبط 471 قضية تجارة مخدرات مابين تعاطي وترويج ، مشيرا إلى أن وحدة المكافحة أنجزت 2050 حالة تعاطي منذ عام 2006 .
وأشارت مصادر إلى أن حجم هذه التجارة بلغ ملايين الدولارات شهرياً. وأضافت: "تجاوزت تجارة المخدرات الـ 400 مليون دولار فقط خلال ثلاث أسابيع من تفجير الجدار الفاصل بين الأراضي الفلسطينية والمصرية أوائل عام 2007".
كما كشف خليفة عن إلقاء القبض على تجار بحوزتهم كميات كبيرة من منشطات جنسية خاصة للفتيات. وقال "على الرغم من أن الأنفاق عملت توازناً بين حصار إسرائيل لغزة وبين استمرار حياة الفلسطينيين، إلا أننا في شرطة غزة نضبط معظم السلع والمواد التي تدخل من خلاله، من خلال الأجهزة المختلفة التي تعمل لأجل حفظ الأمن والمجتمع".
ونوه أن مكافحة المخدرات اكتشفت عملية معقدة من مادة الكوك السائل. وقال "اشتبهت الشرطة بكمية سائلة قال صاحبها أنها منظفات، لكن بعد الفحص المخبري، تبين أنها مادة كوك سائلة من اخطر المواد المخدرة على جسم الإنسان".
و جدد "الشاباك" الإسرائيلي في الآونة الأخيرة وسائله لاختراق المجتمع الفلسطيني, مستغلاً كافة الوسائل المتاحة أمامه فحاول بشبكات المخدرات إلا أن المؤسسة الأمنية بغزة كانت لها بالمرصاد و نجحت في تفكيك العشرات منها واعتقال كبار مروجيها .
ضبط وتفكيك شبكات
فقد تمكنت وحدة مكافحة المخدرات بغزة مؤخرا وفي عملية معقدة من ضبط إحدى اكبر شبكات العملاء التي حاولت تهريب كميات كبيرة من المخدرات إلى قطاع غزة عبر معبر كارني التجاري .
العملية بدأت حين وصلت معلومات لضباط وأفراد الإدارة العامة لمكافحة المخدرات معلومات مفادها بان بأن كمية كبيرة من المخدرات دخلت قطاع غزة عبر معبر كارني التجار حيث بدأ رجال البحث الجنائي مهمتهم وبدأت رحلة جمع المعلومات والتحريات ليلا ونهاراً.
في بداية المهمة زرعت المكافحة عددا من المرشدين السريين في أوساط المشبوهين حتى تم الوصول إلى احد الخيوط التي تفيد بأن المدعو "س.ص" من مدينة غزة له علاقة بكمية المخدرات التي دخلت قطاع غزة عبر المعبر فتم نصب كمين واستدراجه الساعة السابعة صباحا حيث ضبط بحوزته فرش حشيش وبعد التحقيق معه اعترف على المصدر الرئيس .
في ذلك الوقت فكرت المكافحة بطريقة مميزة للوصول لذلك التاجر الكبير فقامت بتجنيد "س.ص" بعد اعتقاله كمرشد للوصول إلى الرأس الكبير .وقد بدأ ضباط المكافحة بإعداد الخطة المحكمة من كل جوانبها إلى أن تم بالفعل استدراج الشبكة بكاملها التي اعترفت بعمالتها وارتباطها بإسرائيل وسعيها لنشر المخدرات بين الشباب لإسقاط اكبر عددا ممكن .
وعلى ذات الصعيد كشف الناطق باسم الشرطة إسلام شهوان النقاب عن ضبط كميات كبيرة من المخدرات والمنشطات الجنسية تم تهريبها عبر المعابر الصهيونية الحدودية مع قطاع غزة.
وأوضح شهوان أن الشرطة نجحت في ضبط كميات كبيرة من المخدرات تم تهريبها عبر هذه المعابر، حيث ضبطت مخدرات تم تهريبها من معبر بيت حانون "إيرز"، وإلصاقها أسفل سيارة أحد الأشخاص أثناء مروره إلى غزة، كما تم مصادرة كمية أخرى من المخدرات والخمور هربت بواسطة عدد من المواطنين والسيارات.
وأشار إلى أنه تم ضبط كمية من المخدرات المهربة عبر البضائع التي اجتازت معبر كارني قائلاً:" لقد اتضح من خلال التحقيق مع المهربين بأن رجال المخابرات يساعدون المهربين على إخفاء هذه المخدرات في البضاعة الواردة للقطاع ويسهلون مرورها".
وأكد شهوان أنه تبين من خلال عمليات التحقيق مع آخر مجموعة تم ضبطها أنها "ساقطة أمنياً" عبر ارتباطها المباشر مع ضباط المخابرات ااصهيونية، موضحاً أن هذه المجموعات هدفها الأساسي والمباشر هو السعي لإسقاط أكبر عدد ممكن من الشباب والفتيات في وحل العمالة من خلال ترويج هذه السموم بينهم وبأسعار زهيدة.
ولم يقتصر الأمر حد المخدرات, فغزة التي خرجت مؤخرًا بجرح لم يندمل بعد، نتيجة حرب مدمرة لمدة 22 يوما، استشهد خلالها أكثر من 1450 فلسطينيًا، ودمرت البنية التحتية لمدن قطاع غزة، باتت تعج بالحبوب المخدرة كالترامال وغيرها التي إشتهرت مؤخرًا بين الشباب الفلسطيني.
مراكز حقوقية تحذر
ودفع تناول بعض الفلسطينيين لتلك الحبوب، لمطالبة المؤسسات الحقوقية والمعنية بالإنسان، للحد من تلك الظاهرة التي اعتبروها، "تشكل خطرًا مستقبليًا على الأسر الفلسطينية وإزدياد معدل الجريمة بأنواعها المختلفة".
وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن إرتفاع نسبة متعاطين الحبوب والمخدرات في قطاع غزة، سيؤدي إلى إرتفاع الجريمة لاحقاً، خاصة وان سعرها مرتفع في وقت تزداد فيه البطالة والفقر، مما يؤدي إلى إرتفاع العنف والجرائم المختلفة.
وأكد المركز أن المخدرات بالإضافة لإتلاف العديد من أجهزة الإنسان الداخلية، فهي أيضًا تتلف خلايا المخ، الأمر الذي يؤدي إلى سلوك غريب وتصرفات غير مسؤولة لمتعاطي المخدرات.