الشتاء كشف سوأتها

الطرق الوعرة تتربص بالعابرين وتصطاد السائقين

سائقون: مركباتنا زائر دائم لورش التصليح

فني ميكانيكا: أعطال كبيرة تطال السيارات نتيجة تصدع الشوارع

"المواصلات": هناك سوء إدارة

الأشغال العامة: نواجه معوقات أمام مشاريع الترميم

غزة- فادي الحسني

لما بدأت تعلو ذبذبة السيارة بفعل وعورة الطريق الذي يسلكه، أقفل سائق الأجرة المذياع، وبطَأ من سرعته، تجنبا لحدوث أعطال تستدعي نزول الركاب.

ولم ينفك السائق أبو عبد الله، عن التأفف أثناء سيره على طريق صلاح الدين الرئيسي الممتد على طول قطاع غزة، خاصة أن أجزاء واسعة منه بحاجة لعملية إصلاحات. 

وتعرضت سيارة أبو عبد الله في مرات سابقة لأعطال، نتيجة ارتطامها بثغرات في الطريق حجبتها الأمطار، لهذا يتفادى السرعة في المناطق الوعرة، كما غيره العشرات من السائقين.

وتستدعي عشرات الشوارع في مناطق مختلفة من قطاع غزة، اجراء عملية إصلاحات عليها، نظراً لوقوع السائقين في فخوخ الحفر التي تردي مركباتهم حبيسة ورش التصليح.

وتبدو مشكلة وعورة الطرقات في ظاهرها بسيطة، لكنها تنطوي على أزمة كبيرة تهم شريحة عريضة من المواطنين، لاسيما السائقين، لهذا فإن البحث عن حلول لها بات أمراً ملحاً.

هاجس

وتمثل الحفر في الطرقات غير المستوية كمائن تلاحق السائقين الذين أجبروا على زيارة الورش الميكانيكية لإصلاح سياراتهم المتعطلة نتيجة المطبات، فضلا عن كونها ترهق جيوبهم.

ويشير سمير نطط وهو سائق تاكسي، إلى تعرض سيارته لحادث سير قبل نحو شهر بسبب هروب أحد السائقين من حفرة في وسط الشارع، مما أدى لتصادم سيارتيهما.

وتفاقم وعورة الشوارع الداخلية معاناة السائق نطط الذي اضطر لانفاق مبلغ كبير من المال لإصلاح سيارته الحديثة التي تحطمت مقدمتها، في حادث السير.

وأوضح نطط أنه اجبر قبل نحو أسبوع على تبديل عجلات مركبته التي تمزقت بفعل الثغرات الحاصلة في شارع صلاح الدين, مبينا أن الأعطاب –المفاجأة- الحاصلة بفعل الطرقات الوعرة، قد أرهقت جيبه.

ولفترة طويلة حال الحصار دون دخول المواد اللازمة لتجهيز طبقة الإسفلت المستخدمة في تعبيد الطرقات والشوارع المصابة بتصدعات.

واستهدف الاحتلال الصهيوني عشرات الشوارع الرئيسية في قطاع غزة خلال حربه على القطاع، الأمر الذي تسبب بإحداث أزمة كبيرة بالنسبة للسائقين، الذين كانوا يضطرون لسلك طرق التفافية، تلافيا للمطبات التي أحدثها القصف.

الموظف رامي محمود القاطن في محافظة خانيونس، اشتكى هو الآخر من الطريق الإقليمي الذي يسلكه يوميا متجها إلى عمله في مدينة غزة، مشيرا إلى أن تذبذب الطريق ووعورته تسببت في حوادث مرورية عديدة. 

ونوه محمود وهو مالك لسيارة من نوع "سوبارو"، إلى أن الحفر المتفرقة على الطريق تتسبب بأعطال لـ(العفشات)، بالإضافة إلى إجباره على تبديل ممتص الصدمات "بمبلغ من المال".

في السياق ذاته أعاب على الجهات المسؤولة عدم اهتمامها لحل مشاكل الطرقات التي يعاني منها السائقون، خصوصا التكسر والتصدع الحاصل في طبقات الإسفلت على الطريق الرئيسي الواصل بين خانيونس ودير البلح.

وعلى الرغم من أن لا نفوذ للبلديات على الطرق الإقليمية، إلا أن بلدية دير البلح أكدت أن محدودية الإمكانات هي التي تحول دون تنفيذ مشروع إصلاح طريق صلاح الدين بشكل كامل، لكنها أشارت في الوقت نفسه أنها أجرت مرارا إصلاحات وصيانة على الطريق الرئيسي (صلاح الدين).

وقال المهندس إياد أبو سمرة رئيس قسم التخطيط في البلدية :"أعددنا مشروعا متكاملا يهدف إلى إعادة إصلاح طريق صلاح الدين بشكل كامل، لكنه يفتقر إلى الممول"، مشيرا إلى أن البلدية تجري عمليات صيانة وترقيع له بشكل دائم.

ويضيف أبو سمرة "مشروع تعبيد شارع صلاح الدين يصعب توفير مموله له لأنه شارع إقليمي ويحتاج لمبالغ كبيرة، ونحن نعاني من ضعف الإمكانيات"، لافتا إلى أن الممولين يميلون لتبني المشاريع الصغيرة.

المشكلة قائمة

في الوقت نفسه اعترف أبو سمرة بوجود مشكلة، قائلا: "المشكلة قائمة وتحتاج لحل والطريق بحاجة لتوسيع، لهذا وضعنا مخططا تفصيليا لشارع صلاح الدين ولكن المهم هو إيجاد تمويل وبالتالي المباشرة في تنفيذ المشروع".

وأكد أن بلدية دير البلح قدمت مشاريع لإصلاح الطريق الرئيسي منذ ما يزيد عن ثمان سنوات، لكن الحصار المفروض على غزة، يقف عقبة أمام تنفيذها.

على نحو متصل بين أبو سمرة أن "المطبات" التي جاءت عليها شكاوى، تعاملوا معها وأصلحوها.

ولم تتعلق الأزمة بشارع صلاح الدين فحسب، بل أن السائقين اشتكوا أيضا من وعورة الطرق الداخلية في المدن والاحياء.

وتتكشف سنويا مشاكل الطرقات الملبدة بالحفر والتصدعات، خاصة في فصل الشتاء، الأمر الذي يثبت أن طبقات الاسفلت المستخدمة لم تكن ذات جودة  عالية، كما ان ورش الصيانة الدورية للبنى التحتية والتي من شأنها إعادة حفر الطرقات المرصوفة، يكشف سوأة المشاريع السابقة التي لم يمض على تنفيذها سوى بضعة سنوات.

ويصف السائق أبو وسام ، أزمة الطرقات بـ"المتجددة"، قائلا :"إن الأمطار السنوية تفضح عيوب شوارع قطاع غزة المتهالكة".

وأفاد أبو وسام وهو شاهد عيان على عدد من حوادث السير، بأن هروب السائقين من حفر الطرقات والتوقف المفاجئ للسيارة أبرز الأسباب التي تقف وراء تلك الحوادث، فضلا عن تعطيل حركة السير.

وبين أنه لجأ مراراً لتغيير طريقه والمرور بطرق التفافية لتلافي مشاكل الطرقات الوعرة.

وطالب السائق أبو وسام الجهات المختصة بإيجاد حلول ولو مؤقتة للطرقات، كردم الحفر سواء بالاسمنت أو بحجارة "السلكات".

الأعطال في الشتاء

وتصطف عدد من المركبات المتعطلة داخل ورشة أبو علاء الدسوقي الميكانيكية، في حي الشيخ رضوان، بغية إصلاحها، ويقول صاحب الورشة "معظم السيارات التي نصلحها، تتعطل نتيجة وعورة الطرقات"، مشيرا إلى أن ارتياد السائقين لورشته يزداد في فصل الشتاء نظراً لانكشاف سوءة الطرقات بفعل الأمطار".

وأضاف الدسوقي "نسبة تعطل السيارات في فصل الشتاء تزداد إلى 50%، عن باق أيام السنة، وذلك ناتج عن تكسر الطرقات التي ترتطم بها السيارات فجأة"، مؤكدا أن معظم السيارات التي تتردد على الورشة هي تلك التي تقادمت موديلاتها.

ولفت إلى أن الحفر والتصدعات في الطرقات، غالبا ما تتسبب في تعطل قطع محددة في السيارات كـ(العفشات، المقود، الفراشات، العجلات، الإكس)، واصفا إصلاح تلك القطع بـ"المكلف".

بدورها أشارت بلدية غزة إلى أنها تبذل كل ما بوسعها من أجل إنهاء مشاكل التصدعات والحفر على الطرقات داخل مدينة غزة.

ويقول حاتم الشيخ خليل مسؤول العلاقات العامة بالبلدية : "في معظم أحياء مدينة غزة تقيم البلدية ورش إصلاحات للطرقات"، مبينا أن  البلدية أطلقت نحو 50 مشروعا تطويريا لإصلاح الشوارع.

ولكن الشيخ خليل لفت إلى أن الحصار حال مراراً دون وصول المواد الأولوية اللازمة لإصلاح تلك الطرقات، مبينا أن الحكومة قدمت دعما لمشاريع إصلاح الشوارع.

وبين أن عملية جذب المواد اللازمة لتحسين الإسفلت، دخلت مؤخرا عبر طرق غير رسمية إلى القطاع، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تحريك عملية ترميم الطرقات، موضحا أن عملية إصلاح الطرقات الداخلية تقع على عاتقهم.

وأشار إلى أن تطوير شارع "النزاز" الواصل بين شرق وغرب الشجاعية، بات في مراحله الأخيرة، بالإضافة إلى تمكن البلدية من إجراء إصلاحات في شارع "الشعف" شرق غزة، وكذلك تواصل تطوير شارع النصر غرب المدينة، مستعرضا جملة من الإصلاحات الأخرى التي قامت بها البلدية، لإنهاء أزمة المواطنين.

إحساس بالمشكلة

وحملت "الرسالة" شكاوى السائقين إلى وزارة النقل والمواصلات التي بدورها عبرت عن إحساسها بمشكلة الطرقات التي يعاني منها المواطنون.

وقال مسؤول الإدارة العامة للطرق والمشاريع المهندس سعيد عمار:" لدينا إحساس بالمشكلة ولكن هناك سوء إدارة"، متهما الحكومة بعدم تبني مشاريع ترميم الشوارع.

وأضاف عمار :"المواد الأولية اللازمة لتعبيد الطرقات أضحت متوفرة، وهناك أموال، ولكن في المقابل هناك سوء إدارة"، محملا نفسه –بصفته مسؤول الإدارة العامة للطرق والمشاريع- جزءا من المسؤولية.

وأكد في الوقت ذاته أن إدارته تواجه صعوبة في تنفيذ مشاريع إصلاحية للطرقات، نظراً لافتقاد التمويل "الذي من المفترض أن تقدمه الحكومة" كما يقول.

في المقابل نفت وزارة الأشغال العامة والإسكان أن تكون الحكومة مقصرة في تبني المشاريع الإصلاحية للشوارع، مؤكدة تبنيها لعشرات المشاريع التطويرية ذات التكلفة العالية.

وقال وكيل الوزارة المهندس ياسر الشنطي :"النقل والمواصلات تتحمل جزء من المسؤولية(..) الحكومة خصصت الكثير من الأموال للإصلاحات على الطرقات"، مبينا أن تكلفة إعادة تطوير شارع "النزاز" التي تصل إلى مليون دولار، تحملتها الحكومة.

ولفت إلى أن الحكومة تحملت أيضا عبء الإصلاحات المزمع إجراءها الأسبوع القادم على طريق صلاح الدين –من المطاحن وحتى دير البلح- والتي تصل كلفتها إلى 450 ألف دولار، كما بين أنها (أي الحكومة) خصصت مبلغ 43 ألف دولار لإصلاح مفترق "بني سهيلا".

عوائق

وقال الشطني :"الحكومة لا تبخل على عملية إصلاح الطرقات ولكن هناك عوائق، أهمها افتقاد مادة "البوسكورس"، اللازمة للتعبيد".

وأضاف "لجأنا مسبقا لتعبيد بعض الشوارع بمخلفات الحرب، لكننا وجدنا أن هناك حاجة لتلك المخلفات في إعادة الإعمار، "فإما إيواء المشردين أو رصف الطرقات"، معبرا عن اعتقاده بأن إيواء المتضررين من الحرب -القاطنين بالإيجار وتحت الخيام- أولى من رصف الطرقات.

وأوضح الشنطي أن هناك خطة تنفذ تدريجيا لإصلاح الشوارع، واعداً المواطنون بإحداث عمليات ترميم على الطريق الإقليمي، قائلا: "خلال الأيام القادمة سيشعر المواطنين أن هناك إصلاحات على شارع صلاح الدين".

في سياق متصل أوضح الشنطي أن وزارته تتحمل مسؤولية إعادة ترميم الطرق الإقليمية كشارعي (صلاح الدين، والرشيد)، أما الطرق الداخلية فتقع مسؤولية إصلاحها على عاتق البلديات.

وأشار وكيل وزارة الأشغال، إلى أن وزارته بصدد توسعة الطريق الواصل بين محافظة رفح والمعبر، كذلك توسعة شارع البحر الواصل بين خانيونس والقرارة، إلا أن العائق الذي يحول دون تنفيذ هذين المشروعين، هو مادة "البيسكورس".

وكانت تقارير قد تحدثت عن اجراء وزارة الأشغال العامة والإسكان عمليات صيانة عامة للطرق الرئيسية في القطاع خلال العام 2010.

وأوردت الوزارة في تقريرها السنوي أنها عمدت إلى استخدام البدائل الممكنة والمتاحة في أعمال صيانة الطرق، حيث استخدمت الباطون كبديل مؤقت لصيانة عدد كبير من الحفر الصغيرة والمتباعدة في كل من طريق صلاح الدين والطريق الساحلي، وتم صيانة عدد من أحزمة الباطون الحامية للجانب الغربي من الطريق الساحلي، وتم استخدام 4 أطنان اسمنت و 30 طن حصمة تقريبا خلال عام 2010م.

كما انتهت الوزارة خلال العام (2010) من المرحلة الأولى من أعمال شق طريق الحرية الفاصل بين مدينة غزة والمنطقة الوسطى والذي يمتد من طريق صلاح الدين مفرق الشهداء (نتساريم) حتى طريق البحر الغربي، حيث يبلغ طوله 3.5 كيلومتر وعرضه 34 م أصبح مؤهلا وجاهزا لمرور المركبات بعد أن تم رصفه بطبقة من نواتج الكسارات بسمك 30 سم.

وأشارت الوزارة إلى أن هذا الطريق له أهمية كبيرة كونه أحد الطرق الرئيسية في القطاع وهو يربط بين أطول طريقين في قطاع غزة.

وبين جهود البلديات ودور الأشغال وموقف النقل والمواصلات، تبدو أزمة وعورة الشوارع في طريقها نحو الحل.

 

البث المباشر