محمد فايز الإفرنجي
بعد غياب طال عقود على انقراض الدور المصري الإقليمي بسبب سياسات الحزب الحاكم بقيادة مبارك المدحور وأزلامه, وبتجاهل القضايا العربية والإقليمية والدولية التي تخص مصر والانكفاء على حفظ الحد الأدنى من بيانات هنا وهناك في مناسبات متفرقة وترك الساحة السياسية كملعب فارغ أمام الخصوم في مباراة لا تكاد تنتهي إلا بالخسارة السياسية المصرية في كل جولة من جولاتها وبالتالي انعكاساتها على الوضع العربي برمته.
لا يسعني المقام هنا أن أسرد تلك المواقف أو المباريات- إن جاز التعبير - التي كانت تحتاج مواقف سياسية حازمة يحفظها التاريخ وتحفظها الشعوب, مواقف تدلل على قيادة حكيمة لبلد بحجم مصر ومكانتها التاريخية ودورها الإقليمي في المنطقة العربية, حرب غزة أبسط الأمثلة على تخاذل هذه القيادة وطعن الأمة العربية في خاصرتها بل طعن مصر شعبًا ومكانةً في جنباتها لتتضاءل في دورها وتختفي في تأثيرها على مجريات الأحداث في وطننا العربي الكبير.
إن ما يحدث اليوم في ليبيا الشقيقة بعد نجاح الثورة المصرية في إقصاء رأس الضلال وحزبه الحاكم؛ يحتاج إلى أن تدرك القيادة الجديدة ومجلسها العسكري بأن الطريق بات معبدًا ليعاد الدور المصري الإقليمي إلى مكانته ودوره الحقيقي, ولا ينبغي علينا كعرب انتظار مساندة أمريكية وأوربية في إنهاء المجازر التي ترتكب بحق الشعب الليبي والتي لا تزال تدور وتهدر الدماء الليبية في كل يوم بل كل ساعة تمر دون حراك حقيقي من قبل دولنا العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص, فهي العمق العربي الذي يجب أن يكون المدافع الأول عن الشعوب المقهورة, فالجيش المصري جيش منظم ومدرب ومسلح بشكل جيد وبمقدوره أن يكون حارسًا لهذا الشعب بل لشعوب المنطقة بأسرها.
إن الظروف مواتية تمامًا لعودة مصرية إلى دور إقليمي يعيد لها هيبتها ومكانتها التي غابت طويلًا, كما سيعيد للمنطقة برمتها توازنًا جديدًا يحسب لها ألف حساب ويوقف التغول الواقع في عدة تدخلات خارجية في أمورنا العربية في العديد من القضايا المصيرية.
إن الأحداث الجارية في ليبيا تتطلب من المجلس العسكري الاعتراف الفوري بالقيادة الجديدة للثورة الليبية؛ بعد سقوط الشرعية عن نظام القذافي البائد, وليس على مصر أن تسبقها فرنسا بالاعتراف بهذه القيادة الثورية, فمصر أحق في المبادرة بهذا الاعتراف بل وإبرام اتفاقيات دفاع مشترك تمكن القيادة المصرية من حسم ما يحدث من مجازر بحق شعب شقيق هو الأقرب لمصر جغرافيًا وثقافيًا. مصر هي الأقدر عربيًا من نواحي عديدة تستطيع من خلالها فرض منطقة حظر جوي, بل وإمداد الثوار بما يحتاجون من سلاح واشتراك في رسم خطط تجنب المدنيين التمرغ بدمائهم كما يحدث في كل ساعة تمر دون أن نحرك ساكنًا أو نجعل لهذا الجزار لجامًا يجعله يتوقف عن جنونه الذي بات الشعب الليبي هو من يدفع ثمنه الغالي من خيرة أبناءه, بجانب الدمار الذي يلحقه هذا الجزار ومرتزقته في المقدرات الليبية التي هي بالأساس مقدرات عربية تصب في خانة القوة العربية التي غابت عنا عقود, وأدت إلى غياب كامل للدور العربي في مقابل فراغ سمح للأغراب التدخل بل وفرض الإملاءت علينا لنصبح حكامًا ومحكومين تحت سيطرة احتلال يغرس مخالبه في جسدنا, ويمتص دمائنا ونحن ننظر بعيون يملئها الضعف والاستكانة والاستسلام, ونسمي ذلك سلامًا أو تعقل أو ضبط النفس كما هو شائع لدينا في كثير من القضايا التي تسال بها دمائنا وتقصف فيها بلادنا وتنهب خيراتنا, بل ونتهم بالإرهاب واحتضانه؛ بينما نحن الضحية التي تحتاج إلى العون ولن يكون هذا العون يومًا من جلادينا, فعلينا أخذ زمام المبادرة والاستيقاظ والعودة إلى دورنا الطبيعي والفرضي الذي يجب أن نكون به, فاليوم البوابة الليبية خير بوابة تسمح لمصر بالتدخل بدل من انتظار الغرب أن يتدخل .
إن الظروف الآن هي الأنسب والأحوج لتدخل مصري وعربي يبدأ بالاعتراف بالمجلس الانتقالي الذي أنتجته الثورة الليبية التي هي خيار شعب عقد العزم على التحرر من استعباد لطاغية طيلة عشرات السنين.
يا مصر اليوم هو يومك, والبوابة تفتح أمامك مصراعيها لتعودي إلى مكانتك وإلى قيادتك التي ستجبر الغرب بأكمله أن يعيد حساباته وأن يفكر العدو الصهيوني بأن مصر اليوم ليست كما الأمس وعليه أن يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على خطوات من شأنها أن تفقد القضية المركزية للعالم الإسلامي مكانتها وأهميتها, ليدرك العالم أن المارد العربي قد أشرف على الاستيقاظ من غفلة طالت به لكنها أبدًا لم تقتله.