د. خلف: قبلنا بوضع الدائرة الحالي للمصلحة العامة
احصائية: 2010 شهد تحويل 16500 حالة بتكلفة 134 مليون شيقل
د. المدلل: الدائرة تتبع صحة رام الله واغلاقها يعرض المواطنين للخطر
مرضى: الواسطة تتحكم في كثير من التحويلات
الرسالة نت-محمد أبو قمر
"مرفوض"... هكذا كان رد دائرة العلاج بالخارج على المريض "ر" الذي طلب استبدال تحويلته للعلاج في المستشفيات المصرية الى الداخل الفلسطيني أثناء الثورة المصرية.
في المقابل أصرت السيدة "ع" على علاج "صفير في أذنها" بالخارج، ورفضت تحويلة للعلاج في القدس، ورفضت أيضا استبدالها للعلاج بمستشفيات الاحتلال، حتى نجحت محاولاتها في تحويل وجهة العلاج "الطشة" الى مصر...
لم ينته المشهد، فبعد تركيب سماعة للمريضة وعودتها الى غزة، اكتشفت أن برمجتها "مش زابطة" وتحاول الحصول حاليا على تحويلة أخرى لمصر.
ويفتح ملف العلاج بالخارج الشائك تساؤلات كثيرة، ما هي معايير حصول المريض على تحويلة للعلاج؟ ومن يقرر المستحقين لها، وأين وجهتها؟ وكم تقدر تكاليف تلك التحويلات؟.
ملف شائك
بدأ ملف العلاج بالخارج عام 2003 كضرورة لتحويل عدد من المرضى لتلقي العلاج خارج الاراضي الفلسطينية نظرا لعدم توفر بعض الامكانات الفنية واللوجستية في وزارة الصحة لعلاج حالات معينة.
ويقول الدكتور حسن خلف وكيل وزارة الصحة أنه لا يمكن الاستغناء كليا عن العلاج بالخارج، حتى بعد تطوير الكادر البشري والفني بالوزارة.
وأضاف "كثير من الدول ذات الامكانات العالية تعجز عن علاج بعض الحالات، والتحويلات الخارجية لا تعني عجز وزارة الصحة".
ومع أن العلاج بالخارج أفاد آلاف الحالات المرضية، الا أن البعض استغله للسفر والتنزه على حساب المرضى المحتاجين لعلاج الخارج.
وشاب ملف العلاج بالخارج منذ نشأته الكثير من النقد على أداء العاملين في الدائرة أحيانا، وفرض الاجهزة الامنية وأصحاب القرار نفوذهم عليها، وحصولهم على تحويلات لم تكن بمحلها أحيانا اخرى.
وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وتسلم د. باسم نعيم للوزارة حاول ضبط ملف العلاج بالخارج.
ويشير د. خلف إلى أن ملف العلاج بالخارج كان يكلف الوزارة قبل عام 2006 ما يقرب من سبعين مليون شيقل سنويا، وكان يعاني من غياب الضوابط الفنية والادارية، وتدخلات الاجهزة الامنية، لمنح تحويلات للأشخاص المهمين من وجهة نظرهم.
ويؤكد وكيل الوزارة أن الحكومة العاشرة وخلال الستة شهور الاولى تمكنت بذات طواقم الدائرة خفض تكلفة الملف بما نسبته 50% ، من خلال الضبط الفني والاداري، بشهادة مدير الوحدة المرحوم د. عمر شحادة الذي كان على رأسها قبل الانتخابات، وهو من الكوادر الفتحاوية ، وأكد حينها "للرسالة" أن الحكومة حمت الموظفين من الاعتداء الذي كان سائدا في السابق في حال رفض الموظفين منحهم تحويلة للعلاج.
وشدد د. خلف على أن التكلفة انخفضت بشكل كبير بالضبط الفني والعلمي والاداري، وتطوير الخدمة المقدمة للمواطنين باستحداث عمليات، وتشجيع الكفاءات المحلية، بعد ان اهتزت الثقة بدرجة عالية جدا بين المواطن و الطواقم الطبية.
تحييد الملف
عقب الاحداث الداخلية التي شهدها قطاع غزة منتصف يونيو 2007 عادت معضلة ملف العلاج بالخارج مرة أخرى، حيث تشرف عليها وزارة الصحة في رام الله، ورفض موظفوها التعاون مع الوزارة بغزة.
وشكل امتلاك رام الله اموال الدول المانحة والتنسيق مع الاحتلال والانظمة العربية المصرية والاردنية نقطة صعبة في تناول الملف، في ظل وجود طرف لا يتردد في المساومة على آلام وحياة المرضى, حسب ما يقول خلف.
واضطرت وزارة الصحة في غزة التعامل مع الملف بعد اغلاق الدائرة لعدة أيام في ذلك الوقت كجزء من المناكفة السياسية، وذلك حفاظا على حياة المواطنين.
ومع عودة التجاوزات المالية والادارية وانعدام المعايير الطبية والفنية لإدارة ملف العلاج بالخارج، وكثرة شكاوى المواطنين من "الواسطة والمحسوبية"، والانتماءات السياسية ، تدخلت وزارة الصحة بغزة لضبط الملف، مما أدى لإغلاق الدائرة.
وفي ظل المطالب بتحييد المرضى عن الصراع السياسي، وتدخل أطراف وشخصيات منها د. اياد السراج، ومنظمة الصحة العالمية والصليب الاحمر ومؤسسات حقوق الانسان للتوافق على حل وسط، أفضى الامر لبلورة اتفاق يلتزم به الجميع.
ويقوم الاتفاق الذي أبرم بداية 2009 على أن تشكل اللجنة العليا للعلاج بالخارج من خلال وزير الصحة برام الله.
وحسب الاتفاق فان الموافقة المالية والتنسيق يتم من خلال وحدة العلاج بالخارج التي تتخذ من فندق الامل بغزة مقرا لها، وترفض التعامل بأي شكل مع الوزارة في غزة، التي توفر لها الحماية والنظام.
وتبدأ اجراءات استخراج تحويلة للعلاج بالخارج من المستشفى حيث يوقع الطبيب الاخصائي على النموذج ومن ثم رئيس القسم، وحسب الاتفاق لا يوقع أي مسئول أكبر من ذلك على الاوراق.
ويشير وكيل وزارة الصحة إلى أن الاتفاق يفتح الباب امام التلاعب والتزوير، الا أنهم اضطروا للقبول بالأمر.
اتفاق لم يطبق
وبناء على نص الاتفاق الذي نشره المركز الفلسطيني لحقوق الانسان فان دائرة العلاج بالخارج ملزمة بتقديم تقرير شهري عن عملها وعن اللجنة الطبية العليا التي تقوم بدورها بإرساله إلى جهات الاختصاص، وتشكيل لجنة مرجعية بالتوافق لتلقِّي أية شكاوى من قِبل أي طرف أو من أيٍّ من المواطنين والعمل على حلها.
وأكد المركز أنه جرى الاتفاق على تفعيل آليات الرقابة من قِبل منظمات حقوق الإنسان والقطاع الصحي في شبكة المنظمات الأهلية.
وبحسب بيان المركز في ذلك الوقت فقد التزم د. باسم نعيم بإصدار قرار العودة للعمل في الدائرة الى ما كانت عليه قبل اغلاقها بتاريخ 22/3/2009، لكن وزير صحة رام الله فتحي أبو مغلي شكل لجنة طبية عليا للعلاج بالخارج بعضوية سبعة أطباء؛ من بينهم ثلاثة ممن لم يكونوا ضمن القائمة التي اتفق عليها الطرفان".
وعلمت "الرسالة نت" من مصادر خاصة أن أبو مغلي يجري تغييرات في اللجنة من وقت لآخر وذلك التفافا على الاتفاق المبرم مع وزارة غزة بإشراف أكثر من جهة، لكن صحة غزة تغض الطرف عن الامر للمصلحة العامة.
وتشير الاحصاءات التي حصلت عليها "الرسالة" الى أرقام مهولة تصرف سنويا على ملف العلاج بالخارج، وزيادة مضطردة في عدد الحالات المحولة، والامر يعود لغياب الرقابة المالية والادارية.
فمع بداية الملف عام 2003 كانت التحويلات تقدر ببضع آلاف سنويا، واتخذ بالزيادة الملحوظة، حتى أنه بلغت تكلفة الملف في عام 2007 قبل أن تتسلم الحكومة العاشرة مهامها سبعين مليون شيقل.
أرقام خيالية
وتكشف الاحصاءات زيادات فاحشة في عدد التحويلات والمبالغ المصروفة بين عامي 2009، و 2010 في قطاع غزة فقط.
ففي عام 2009 تم تحويل10812 حالة بتكلفة تقديرية 90 مليون شيقل، أما في العام 2010 تم تحويل 16500 حالة بتكلفة 134 مليون شيقل، أي بمعدل 1500 مريض شهريا يحولوا، وهو امر مبالغ به كثيرا بسبب غياب الضوابط والمراقبة لان الموضوع محل نزاع ما بين وزارتي غزة ورام الله.
وتلقت "الرسالة نت" شكاوى كثيرة من المواطنين الذين لا يملكون واسطة للحصول على تحويلة للعلاج في الخارج، مع أنهم يستحقونها في بعض الاحيان.
ويتساءل المواطن "م": لماذا يقول الاطباء للبعض أنهم لا يستحقون تحويلة للعلاج بالخارج وعلاجهم متوفر بالقطاع، وفي ذات الوقت نجد أناسا يغادون للعلاج لأسباب بسيطة؟ ثم أجاب "م" على نفسه بأن لديهم واسطة ".
وعلمت "الرسالة" من مصادر موثوقة أن كثيرا من المواطنين يستصدرون تحويلات من قبل رام الله مباشرة، حيث يتدخل المتنفذون هناك على تحويلهم للعلاج بالخارج، دون أن يلجئوا للدائرة في غزة، أو أن رام الله تفرض عليهم التعليمات ".
في زيارة سريعة لدائرة العلاج بالخارج بفندق الامل، تجد المراجعين يصطفون طوابير لإنهاء معاملاتهم، ويلفت الانتباه أكثر من يافطة معلقة على جدران المقر مفادها "اذا طلب منك أحد أموالا مقابل العلاج بالخارج، فأبلغنا فورا ، نحن نقدم لك الخدمة مجانا حسب القانون".
تلك العبارات المتناقضة مع شكاوى المرضى، استدعت " الرسالة" لمقابلة د. بسام البدري مدير دائرة العلاج بالخارج في غزة، الا أنه تجاهل محاولات مقابلته بمقر الدائرة، أو الاتصال به عبر الهاتف لاستيضاح وجهة نظر الطرف الاخر.
محل خلاف
وبين الفترة والاخرى تطفو قضايا العلاج بالخارج على السطح من جديد بسبب الملاحظات على عمل الدائرة.
ففي الثامن من الشهر الحالي أغلقت دائرة العلاج بالخارج أبوابها ليوم واحد، احتجاجا على استدعاء جهاز الامن الداخلي لمديرها د. البدري.
وبحسب المركز الفلسطيني لحقوق الانسان فان الامن الداخلي طلب من البدري تزويد الجهاز بمعلومات عن عمل الدائرة في غزة، وكشوفات بأسماء المرضى الذين يحصلون على تحويلات للعلاج في الخارج.
من الجدير بالذكر أن الكثير من الحالات المرضية المحولة للعلاج داخل الاراضي المحتلة عام 48 تتعرض للاستجواب والابتزاز من قبل قوات الاحتلال على حاجز بيت حانون "ايرز".
وتتخذ قوات الاحتلال من معاناة المرضى كورقة ضغط عليهم، واسقاطهم، مما يستدعي مراقبة الاجهزة الامنية ومتابعة تلك الحالات خوفا من تعرضها للابتزاز الاسرائيلي.
وعبر المركز الفلسطيني عن خشيته من أن تتكرر الأزمة الماضية، والتي حدثت في مارس من العام 2009، حيث توقف عمل الدائرة كلياً، ولمدة نحو 40 يوماً، وقد أدت حينها إلى وفاة 11 مريضاً ومريضة، وتضرر مصالح المئات من المرضى، بسبب زج المرضى في أتون الصراع السياسي الدائر بين الحكومة في غزة والحكومة في رام الله.
من جهته قال الدكتور يوسف المدلل مدير عام ديوان وزير الصحة أن الوزارة لا علم لها بتوقف العمل بدائرة العلاج بالخارج في غزة الايام الماضية, مشددا أنه لا علم لدى الوزارة عن أسباب توقف العمل في الدائرة.
وأوضح المدلل في تصريحات صحفية "أن دائرة العلاج بالخارج تابعة لحكومة رام الله ولا علم للوزارة بأسباب اغلاقها.
واعتبر أن توقف العمل بالدائرة يعطل مصلحة المواطن الفلسطيني لأنها تقوم على خدمة جزء مهم وحساس من المواطنين خاصة في ظل الحصار وإغلاق المعابر ومنع السفر، معرباً عن خشيته من أن يؤدي إغلاق الدائرة إلى تعرض مئات المرضى في قطاع غزة للخطر.
وأمام استمرار الواسطة والمحسوبية تبقى آلام المرضى لا تجد من يطببها، في انتظار انصاف دائرة العلاج بالخارج لهم.