قائمة الموقع

قصص قصيرة جدا

2011-03-21T07:14:00+02:00

 

رشا فرحات

أركان الفقر

فتح باب خزانته على مصراعيها وبدأ يعد قطع الثياب المتناثرة المهترئة، وهو يحاول تذكر أخر مرة سعدت خزانته بشراء قطعة جديدة، انه أول الشهر، ولا مانع من شراء قميص جديد، بدأ يحسب ويعد ويكتب، قسم راتبه إلى أبواب منظمة، تلك التي يقسمها كل شهر، اعد ركناً للطعام، وركناً للكهرباء، وركنناً لفاتورة الماء، وركنناً لحليب طفلتهِ الرضيعةِ، وركننا لمصاريف مدرسة أطفاله الأربعة، حتى اكتملت الأركان في الصفحة، فرح كثيراً لأنه استطاع تنظيم ورقته، ليبقى فيها ركن فارغ يسمح له باقتناء قطعة جديدة يستر بها جسده النحيل.  في وسط فرحته، تدخل ابنته راكضة ترتجف برداً وقد أعلنت عن ضياع معطفها الذي طيرته رياح عاصفة مفاجئة، ابتسم وبدأ يعيد ترتيب أركان ورقته من جديد.

يوم المرأة

في الاحتفال بيوم المرأة الذي دعيت إليه كانت القاعة منسقة بكل فخامة وثراء، وصوت الموسيقى صادحة في كل الأرجاء، وأصوات نساء متشابهات، بملابس أنيقة ينظمن كلمات رسمية طالما سمعتها من أفواههم كل عام في ذات الموعد، وبدأت تعلو أصوات التكريم، لنساء قادرات على السير بالحركة النسوية إلى الأمام، وهن ينظرن في وجوه النسوة ويكررن تلك الوعود السنوية المنتظمة كأغنية ملحنة للأبد.

 تحدثت إلى مديرة المؤسسة بصوت يغمره الأمل متسائلة، هل تعلمون بأمر " نعيمة" فردت عليها تلك باستغراب، من هي نعيمة؟!! تكلمت بصوت بات متفائلاً، إنها تلك المرأة التي حرمت من ميراثها وحبست حتى فقدت عقلها، ثم رميت في مستشفى الأمراض العقلية، تطلعت مديرة المؤسسة بازدراء قائلة: تذكرتها، سننظر في أمرها قريباً.

محاولة للحياة

تفتح صفحة الانترنت تبحث عن وصفةٍ عشبيةٍ، تبدأ بكتابة المقادير، يلفها أمل، يطير فوق رأسها، يعيد الحياة من جديد، لعلها تصنع كل يوم كوباً من هذه الخلطة المنقولة، وتعطيها لأختها التي ترقد في الغرفة منذ شهر، دون علاج لها، تبتسم فرحة، منذ شهر لم تعرف معنى الابتسام، تطبق الورقة في جيبها، وتنوي الذهاب مسرعة إلى دكان العطار، لعله يبيع هذه الأعشاب، تنظر إلى وجه أختها الراقد الصامت، ترسل لها ابتسامة تشجيع، تدعوها للصمود حتى عودتها، إنها تشعر بفرحة تغمرها، تركض، يبدو لها الطريق طويلاً، يزداد الأمل، وجه المريضة الجميل الشاحب، يدفعها للإسراع، ستشفى إذن إن شاء لله، قلبها يحدثها بذلك، تركض أكثر، تسرع أكثر، تحضر وصفتها، فرحة تعود إلي البيت، تنظر إلي الوجهِ الراقد الصامت، لقد فات الأوان.

موت مفاجئ

جلس في زاوية الصف، صامتاً على غير عادته، أستاذه يشير إليه بين لحظةٍ وأخرى للمشاركة كما هي عادته، يسأله عن سبب شروده غير المعتاد، فهو من التلامذة المميزين، بماذا يفكر.  يعود إلى بيته ، انه الأكبر، وخلفه ثلاثة أفواه من أخوة جياع، والبيت فارغ، ووالده خرج في لحظة غضب إلى غير رجعة، وأمه تنظر إليه مستفهمة صامتة تسأله بنظرات موجوعة تقديم شيء من المساعدة، دخل إلى البيت، لا طعام اليوم أيضاً، أخته الصغرى تصرخ، يقولون أنها أصيبت بحالة من الجفاف، يسأل نفسه، هل يموت الإنسان جوعاً؟!!.

 يقفز من مكانه، يخلع عنه ثوب التلميذ، يرتدي ثياب والده الهارب، ويخطو أول خطواته في حياةٍ جديدةٍ بعد موته المفاجئ.

تضحية وجحود

كانت تلك الأم مختلفة، فهي الوحيدة التي خُلقت بأربعة أيدي، وعلى الرغم من خفتها في الحركة، وسرعة انجازها لمهامها اليومية، إلا أنها كانت مثار سخرية لمن حولها، فلا شبيه لها، ولا تجد في السوق ما يناسبها من اللباس، وتفصيل ثياب بأربعة أكمام هو مثار استغراب، فقررت أن تلف نفسها بما أتيح لها من قطع قديمة لتداري ما زاد من يديها عن الناس، ولأنها كانت ذات جسد مشوه، لم تكن تهتم لجميل الملبس والثياب كغيرها من النساء الجميلات، ليست قبيحة، لكنها تجر ورائها أربعة من الأيدي كما لو كانت كائنناً غريباً يسقط من السماء. ترتاح لأنها تؤدي عمل أبناءها على أكمل وجه، فيدان تغسلان، ويدان تكنسان، فما تنجزه امرأتان، كانت تنجزه هي، وعندما كبر أبناءها أعطت لكل واحد منهم يداً، لتساعده في بدء حياة جيدة خالية من المصاعب، وبقيت هي بيدين اثنتين كبقية البشر، ما زالت أثار بتر يداها تنزفان دماً حتى اليوم، ومن بين ابتسامتها تخفي دموع ألم لم يشعر به أبناءها يوماً.

اخبار ذات صلة
قصص قصيرة جداً
2010-07-31T13:55:00+03:00
قصص قصيرة جدا
2011-03-07T10:18:00+02:00
قصص قصيرة جدا
2011-05-07T07:12:00+03:00