المكافحــــة: بعضـــــهن يشـــــاركن تخــــــزيـــن المــــــخدرات
النيابة: على المؤسسات النسائية انتشال المروجات وعلاجهن
القضاء: لا نأخذ ادعاءات من تشكتي أنها أجبرت على الترويج
الشريعـــــــة: كـــــل جســـد ينبت بالمـــال الحرام النار اولى به
أخصـــائي نفسي: أحـــد أسبـاب المشكلة عدم الاتزان العاطفي
الرسالة نت - مها شهوان
رغم فظاعة جرمهن وقبح فعلتهن تبقى صورة الغزيات طاهرة ، فمروجات المخدرات قليلات بقطاع غزة ، ولكل منهن حكاية أوقعتها في هذا المستنقع الوحل.
في محكمة بداية غزة مثلت أربعينية أمام القاضي, متوشحة بلباس أسود وترتدي حذاء بلاستيكيا باليا ، حيث تفاصيل وجهها التي توحي بالإجرام ، فقد كانت تنظر إلى الحضور "بعين ونص" ومن ثم تطأطئ رأسها مدعية "المسكنة" وعند توجيه السؤال إليها تكتفي بالنظر لتوهم من حولها أنها "على البركة".
تصرفاتها تلك لم تنطل على القاضي ،لاسيما أنها اعترفت بترويج المخدرات ومساعدة احد التجار أثناء تحقيقات النيابة.
وكانت الشرطة قد ألقت القبض عليها متلبسة في بيت احد معارفها الذي اتخذته مقرا لاستقبال زبائنها لتبعد الأنظار عنها .
ويشهد قطاع غزة وجود حالات محدودة لنساء يروجن المخدرات من اجل الحصول على مبالغ زهيدة ، إلا أنهن وقعن تحت عين المباحث ولقين نفس المصير.
إخفاء المخدرات
ومن بين الحالات التي ضبطتها مكافحة المخدرات سيدة تبلغ من العمر خمسين عاما كانت مهمتها نقل علب كرتونية مليئة بالمواد المخدرة إلى اماكن يحددها لها احد التجار مقابل "شواقل معدودة".
رغم أن حالة السيدة المادية جيدة لكن سلوكياتها لم تكن سوية ، بالإضافة إلى أن زوجها لم يكن قادرا على ردعها لضعف شخصيته .
وفي قضية لسيدة ضبطت وهي تحمل "براد الشاي" الممزوج بحبوب الترمال المخدرة أثناء زيارتها لزوجها المسجون فزجت بالسجن بجانب زوجها وبات يواسي كل منهما الآخر.
"يبدو أن نزلاء السجن من النساء يجدن فيه مكانا امنا" هكذا يقول أحد رجال الشرطة ساخرا ، بعد ان ضبط سيدة تروج كمية من الحشيش داخل السجن ، وقال : خطتها فشلت".
مدير مكافحة المخدرات امجد سرحان تحدث "للرسالة" أنه فور وصول مكافحة المخدرات معلومات عن سيدات يروجن المخدرات ، يضعوهن تحت المراقبة ومن ثم يصطحبون شرطية لتباشر بإجراءات الاعتقال والتحقيق مع المشتبه بهن.
وكشف سرحان عن بعض طالبات الجامعات ينزلقن إلى عالم المخدرات من باب الفضول لكنهن مع مرور الوقت يجدن أنفسهن تائهات لا يعرفن طريق العودة للصواب .
وأكد مصدر في المباحث "للرسالة " انه ينتشر بين طالبات جامعيات حبوب الترمال ، ويتطابق
قول سرحان مع المصادر ويضيف: نضبط الطالبات خارج أسوار الجامعات لعدم تعاون الأمن في بعض الجامعات معنا ،بالإضافة إلى أننا لا نبغي إحداث بلبلة في حرم الجامعة"، مضيفا: نبلغ ذوي الفتاة حينما تصل إلينا معلومات عنها بالترويج أو التعاطي لكن في حال القي القبض عليها متلبسة يصعب لملمة الموضوع وتحول إلى النيابة.
وتابع:" بعض النساء يشاركن أزواجهن او إخوانهن في الجريمة ، وذلك حينما نلقي القبض عليهم يقمن بإخفاء المخدرات في أجسامهن ، و يتهجمن على الشرطة ".
المؤسسات النسائية
يتفنن تجار المخدرات في استخدام الوسائل كافة لترويج بضاعتهم دون أن يجهدوا أنفسهم بمجرد التفكير بكيفية كسب المال الحلال ، فحكاية " س" كانت خير دليل حينما اتخذت من بوابة إحدى مدارس القطاع مقرا لاستقبال زبائنها ، حيث كانت تحمل حقيبة ابنتها المدرسية لدرء الشك عنها.
لم تستطع "س" استكمال مسلسلها فحالة الخوف والارتباك الواضحة عليها ينطبق قول الشاعر فيها " كاد المريب أن يقول خذوني"، وبالفعل وقعت في يد الشرطة وانهارت لتعترف بجريمتها.
وفي حكاية أخرى لصيدلانية شابة تبلغ من العمر 22 ربيعا استغلت عملها في صيدلية لترويج حبوب مخدرة ونفسية وجنسية للشباب ، مستبعدة أن يشك احد فيها لكنها سرعان ما نالت جزاءها وكانت عبرة لغيرها.
وضعت "الرسالة" تلك القضايا على طاولة لنائب العام المستشار محمد عابد للتعرف على كيفية تعامل النيابة مع الحالات المحولة إليها عبر مراكز الشرطة ، فذكر أن المعاملة تحتاج لحكمة بالغة في التعاطي والتثبيت في فعليه التورط وحداثته بالنسبة للنساء .
وأوضح عابد أنهم يقدمون عناصر التثبيت في الواقعة وتتعامل معهن وكيلات النيابة وفق الإجراءات القانونية من قبل وكيلات النيابة.
ولاعتقاد الكثير من السيدات أن الشرطة والنيابة ستخليان سبيلهن عقب توقيعهن على تعهد بدلا من سجنهن قال النائب العام:" نحافظ على ستر البيوت لكننا لا نتستر على أية قضية اكتملت أركانها لذا نحولها إلى القضاء لتنال كل واحدة جزاءها"، مستدركا :بعد إلقاء القبض على المروجة تخضع للمتابعة والإشراف عليها من قبل أخصائيين.
ودعا عابد المؤسسات النسائية بملاحقة تلك الحالات الفردية لعلاجها وانتشالها مما وقعت فيها خاصة وأنهن قليلات يمكن السيطرة عليهن، مؤكدا على أن هذه الفئة لا تشوه المرأة الفلسطينية.
الإجبار أو الضعف
لم يقتصر أمر ترويج المخدرات على فئة معينة فقد جمعت سيدة متعلمة بين جريمتي تزوير الأوراق وترويج المخدرات، حيث قاد اعتقالها بتهمة التزوير إلى تفتيش حقيبتها فتبين احتواءها على كمية من حبوب الاترمال .
وعلى المستوى القضائي يؤكد رئيس محكمة غزة القاضي اشرف فارس أن ترويج النساء للمخدرات لا يعتبر ظاهرة في قضايا المحكمة بل حالات لا تكاد تذكر مقارنة بالقضايا المطروحة أمام القضاء ، لافتا الى انه في الآونة الأخيرة حاكموا متهمين في ترويج حبوب الاترمال.
وأوضح أن المحكمة تنظر لمثل تلك القضايا حينما تطرح من جميع جوانب الواقعة والظروف المحيطة بالمجني عليه والجانية خاصة وان كان لها سوابق وذات سمعة سيئة.
وعن كيفية تعامل القضاء مع السيدات التي يساهمن في ترويج المخدرات قال فارس :"القانون ينطبق على الجميع فيما يتعلق بالتجريم والعقاب وفقا لظروف الواقعة ومن يرتكب جرما يعتبر متهم ولا يؤخذ بعين الاعتبار في هذا الجانب ذكر أو أنثى".
وأضاف فارس :"قانون العقوبات الفلسطيني يضع الحد الأقصى للعقوبة ويترك للقضاء النزول عنها لتصل بعض الأحيان إلى وقف التنفيذ خاصة إذا رأى القاضي توفر بعض الأسباب التي تخفف القضية ، والأمر يختلف من قضية لأخرى".
ادعاءات بعض السيدات انهن يخضعن للإجبار لترويج المخدرات بناء عل طلب أزواجهن رد عليها القاضي قائلا :"لا يأخذ أمام القضاء هذه الادعاءات إلا بدليل قاطع و لا تؤخذ على إطلاقها ، بالإضافة إلى أن الإجبار أو الضعف يدخلن ضمن ظروف الواقعة".
الفتاة المروجة
ومن الحالات التي عثرت عليها "الرسالة" لنساء يجبرهن أزواجهن على ترويج المخدرات حكاية العشرينية "ليلى" التي كان يصطحبها زوجها واضعا في حقيبتها المخدرات وحبوب الاترمال لدرء الشك عنه.
حاولت الزوجة بشتى الطرق الابتعاد عن هذا المسلك طلبت من زوجها الكف عن تماديه باستخدامها في تلك العملية "الحقيرة" بحد وصفها ، لكن ما كان يزيد الطين بله طردها من قبل ذويها عندما تشتكي إليهم.
لم يقصر الزوج مع "ليلى" فقد تجرعت على يديه شتى أنواع العذاب من ضرب مبرح وتقيدها خشية الهروب من البيت ، إلا أن الحال لم يدم طويلا فقد قبضت الشرطة عليهما واخذ كل منهما عقابه .
وللوقوف على الحكم الشرعي يقول استاذ العقيدة في الجامعة الاسلامية د. نسيم ياسين أنه لا طاعة لمخلوق يعصى الخالق ، ومن تدعي أن زوجها يجبرها على مساعدته في ترويج المخدرات عليها الرفض وتركه إن استمر في فعلته وستعوض خيرا منه لان ما يرتكبونه جريمة تذهب العقول وتؤدي لانحطاط المجتمع ولابد من محاربتها.
وفيما يتعلق بنظرة الشريعة للفتيات اللواتي يروجن للمخدرات لأذية المجتمع أشار إلى انه في حال وجدت فتاة ضللت دون إدراك المخاطر التي ستحل عليها ومن ثم عادت لرشدها آخذة على نفسها عهدا بالتعافي لا حرج عليها ، لكن في المقابل لابد من متابعتها من قبل الجهات المسئولة كي لا يغرر بها مرة أخرى ، منوها إلى أن من وقعت وتمادت لابد من عقابها لتكون عبرة لغيرها.
وأضاف ياسين:" إذا غلب الظن أن الفتاة المروجة ستفتح باب من أبواب الشر على المجتمع لابد من عرضها للمحاكمة ، وإلا سيكون لديها خبرة في التفنن من الهروب من العدالة والتمادي في جريمتها"، مضيفا أن كل جسد ينبت بالمال الحرام النار أولى به .
وتابع:" ترويج المخدرات من امراض العصر التي قد تفتك بالمجتمع لو زادت عن حدها ، خاصة وأنها سبب كل جريمة ترتكب فهي تسلب الدين والدنيا "، مبينا أن أعداء الإسلام يريدون تدمير وإفساد شباب المسلمين وتحويلهم لطاقة غير منتجة.
الانزلاق في الهاوية
ومن القضايا التي نبشت عليها "الرسالة" حكاية طالبة جامعية دفعتها قسوة الاهل للمضي في طريق ترويج المخدرات بغية الانتقام من والدها الذي كان شديد الصرامة دائم الضرب لها ولأخواتها في حال اخطأن بحجة أنهن فتيات .
عند التحاق الفتاة بالجامعة أرادت تفجير ما بداخلها من كبت وتعرفت على رفيقات السوء وعاشت حياتها الجامعية معهن الى أن اوقعنها في وحل المخدرات وباتت تروج له مقابل القليل من المال ، وقبل تماديها في هذا العمل ألقت الشرطة القبض عليها واحضرت والدها الذي اصيب بانهيار عصبي فور تلقيه الخبر .
وعند خروج ابنته بكفالة اصطحبها للبيت وابرحها ضربا مما أصابها كسور في جسمها وتركها يومين على حالها ، بالإضافة إلى انه حرمها الخروج من البيت واكمال تعليمها حتى اتى ابن عمها الذي تفهم الظروف التي مرت بها واقترن بها ليستر عليها.
تداخل الظروف المحيطة بالإنسان قد توصله للمضي في سلوكيات غير أخلاقية ، لاسيما وان التربية الأسرية الصحيحة اللبنة الأولى لعملية التنشئة وذلك كما يرى الأخصائي النفسي د. فوزي أبو عودة، موضحا انه في حال كانت الأسرة مقطعة الاوصال والفساد يستشري فيها ستدخل بذور الشر داخلها فتنمو لتصبح نهجا وثقافة لدى بعض أفرادها .
وارجع أبو عودة بروز حالات لنساء يروجن المخدرات لأسباب نفسية واجتماعية كالحاجة والعوز مما يؤدي لتوجههن نحو طرق غير مشروعة للحصول على المال، بالإضافة إلى أن الصحبة السيئة من بعض النساء اللواتي يروجن لأفكارهن البذيئة حتى ينجر وراءهن ذوات العقول الساذجة دون إدراك .
وقال :" هناك فتيات يسقطن في هذا المستنقع من باب الفضول ولا يستطعن الخروج منه ، إلى جانب وجود بعضا منهن يغرقن إكراها خاصة في حالات الابتزاز والتهديد بالفضح إن لم يروجن لبضاعته".
الفتيات حينما يصطادوهن في فخ الترويج لا يدركن العواقب الوخيمة التي ستحل عليهن وحول ذلك ذكر الأخصائي النفسي أنه ما تقترفه الفتيات يكون نتيجة عدم الاتزان العاطفي لديهن خاصة إذا وجدن ضالتهن في الحصول على رغباتهن عبر الطريق الفاسد ، موضحا أن البعض منهن لديهن طموح زائد للوصول إلى اعلى السلم مرة واحدة ولا يفكرن بماهية الطريق الذي يسلكنه للصعود.
مجتمعنا المحافظ كما هو معهود عليه وفق عاداته وتقاليده يجرم الفتاة التي ترتكب سلوكيات غير أخلاقية وفيما يتعلق بنظرته لمن تروج المخدرات قال أبو عودة :"ينظر المجتمع نظرة تحقير لهن باعتبارهن ضالات مضلات ، بالإضافة إلى أن المجتمع ومؤسساته يرفض التعامل معهن"، متابعا: نبذ تلك الفتيات يجعلهن في جزر منفصلة عن المجتمع مما يسهل على معدومي الضمير وسيئو الخلق التفرد بهن .
ودعا مؤسسات المجتمع كافة بعدم ترك الفتيات والاقتراب منهن بشتى الوسائل لإخراجهن من هذا المستنقع خشية أن ينزلقن في الهاوية، محذرا من تركهن كي لا يعثن فسادا في المجتمع ويلجن في موبقات تدمر النسيج الاجتماعي.
هناك من بكين واشتكين أن أزواجهن وأولياء أمورهن دفعوهن للترويج للمخدرات تحت سيطرتهم ، الأخصائي النفسي لا يرى في ذلك مبررا للدخول في تلك الجريمة ، خاصة وأن المرأة التي تربت على الأخلاق الحميدة لا تسمح لنفسها بتشويه سمعتها وتدمير مجتمعها.
ورغم الحالات السابقة فإن مجتمعنا الغزي لازالت نساءه يشهد لهن بالتضحية ، وما ورد في تحقيقنا هن فئة قليلة ضالة عليهن العودة إلى صوابهن بدلا من الانزلاق في الهاوية وقت لا ينفع الندم.