قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: لماذا تصعيد الاعتداءات على غزة؟

 

يوم الثلاثاء الماضي الموافق 22 مارس/آذار الجاري شهد قطاع غزة مجزرة جديدة، في هجوم شنه الجيش "الإسرائيلي" جواً وبراً، وراح فيها ثمانية شهداء بينهم ثلاثة أطفال ومدني، إضافة إلى أربعة مقاتلين تابعين لحركة الجهاد الإسلامي. وكانت قوات الاحتلال قد شنت تسع غارات على القطاع خلال أيام ثلاثة كانت حصيلتها إصابة أكثر من عشرين فلسطينياً، بينهم 7 أطفال و6 نساء.

لا حاجة إلى القول إن الاعتداءات "الإسرائيلية" على الشعب الفلسطيني ليست أمراً جديداً، فوجود الكيان الصهيوني في حد ذاته عدوان مستمر ومتواصل عليه منذ لحظة قيام هذا الكيان الغاصب، بل إن الاعتداءات هي الأمر الوحيد الطبيعي والمتوقع والمنتظر منه. لكن التصعيد الأخير جاء بعد "هدنة" غير معلنة بين الكيان الصهيوني وحركة (حماس) بدأت منذ انتهاء عملية "الرصاص المصبوب" التي تعرض لها القطاع قبل أكثر من عامين، باستثناء بعض المناوشات العرضية. لهذا فقط يمكن أن يطرح السؤال: لماذا هذا التصعيد الآن؟

بعد اعتداء يوم الثلاثاء واستشهاد الأطفال الثلاثة، أعرب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عن "أسفه" لمقتل أربعة مدنيين فلسطينيين "عن طريق الخطأ" بنيران الجيش "الإسرائيلي" "رداً على إطلاق نار لحماس استهدف مواطنين "إسرائيليين أبرياء"! وأضاف: "ليس في نية "إسرائيل" على الإطلاق التسبب بتدهور الوضع، لكن جيشنا سيواصل التصدي بحزم دفاعاً عن المواطنين "الإسرائيليين"".

قد يبدو أن ليس في تصريح نتنياهو أي جديد، وهو بالفعل تصريح عادي ومعتاد بالنسبة لأي مسؤول "إسرائيلي"، وهو موجود في الدرج يسحب ويستعمل بعد كل اعتداء ينفذه جيش الاحتلال، سواء كان كبيراً أو صغيراً، ف"الإسرائيليون" دائماً لا يستهدفون المدنيين، وهم جميعاً ودائماً أبرياء. مع ذلك كان في تصريح نتنياهو الجديد - القديم جديداً، وهذا الجديد هو الرسالة القديمة - الجديدة، أيضاً، التي أفادت بأنه "ليس في نية "إسرائيل" على الإطلاق التسبب بتدهور الوضع، لكن جيشنا سيواصل التصدي بحزم دفاعاً عن المواطنين "الإسرائيليين". ألا يبدو ذلك تذكيراً لحركة (حماس) بما يسمونه في الجيش "الإسرائيلي" (قوة الردع) التي زعموا أنها ظهرت في عملية "الرصاص المصبوب" قبل عامين؟

لقد خرج بعض المعلقين الصهاينة، في بداية الاعتداءات ورد فصائل المقاومة عليها، بالتشكيك في تلك "القوة" التي لو كانت موجودة كما يدعي قادة الجيش والمسؤولون الصهاينة، كما يقول أولئك المعلقون، لما ردت (حماس) والفصائل الفلسطينية الأخرى بخمسين صاروخاً في يوم واحد. ولم يكن المعلقون أو المستوطنون وحدهم من شكك في قوة ردع الجيش المزعومة، بل كانت هناك تسيبي ليفني، زعيمة المعارضة، بين من اتهم نتنياهو وحكومته بالضعف، إذ قالت عن حكومة نتنياهو: "إنها تتكلم بقوة لكنها ضعيفة على الأرض"، وطالبت في حديث للإذاعة الإسرائيلية بالقضاء على حكم (حماس) سريعاً قبل فوات الأوان وتغير موازين القوى في المحيط العربي"، وكانت بذلك تكشف عن خوفها مما يمكن أن تسفر عنه مواقف بعض الدول العربية بعد الثورات التي غيرت الأجواء في بعض البلدان العربية.

الرغبة في التذكير والتأكيد على ما يسمى "قوة الردع "الإسرائيلية""، إلى جانب الرغبة في استكشاف حقيقة ما بالغت الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" في الحديث عنه حول تعاظم قوة (حماس) وفصائل المقاومة في غزة، وما روجوا له من عمليات تهريب للسلاح إلى القطاع، والرغبة في اختبار ردود فعلها إزاء أية محاولة لشن حرب جديدة على القطاع، هذه الرغبات كلها، أشار إليها من طرف شبه خفي تصريح أدلى به الناطق باسم الجيش "الإسرائيلي" يوم 22/3/2011 قال فيه: إن الجيش "الإسرائيلي" "سيرد بحزم وقوة على أية عملية إطلاق نار، أو محاولة اعتداء من قبل الفصائل الفلسطينية". وخص بالذكر حركة (حماس) وحذرها من مغبة تصعيد الوضع أو محاولة اختبار قوة الجيش "الإسرائيلي".

ويبدو أن النخبة "الإسرائيلية" رمت الآخرين بدائها وانسلت، فكل الاتهامات التي وجهتها لحركة (حماس) والفصائل الفلسطينية، بل ولسوريا أيضاً، يمكن أن توجه إليها مع الأدلة اللازمة. فحكومة نتنياهو هذه الأيام تعاني الكثير من المصاعب في الداخل والخارج. فالمستوطنون غير راضين عن سياسة نتنياهو بالرغم من كل محاولاته إرضاءهم. والمعارضة "الإسرائيلية" غير راضية عن سياساته أيضاً، وترى أنه لا يفعل شيئاً غير أنه يشدد الخناق على الدولة بسبب تلك السياسات. ويسهم الانسداد السياسي الذي تواجهه الحكومة بسبب توقف عرض مسرحية المفاوضات العبثية في إفقادها التعاطف من أخلص الحلفاء: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، لتظهر "إسرائيل" دولة معزولة على الصعيد الدولي، كما تقول المعارضة. وهل لحكومة هذا وضعها، خصوصاً إذا كانت "إسرائيلية" ويمينية، سبيلاً تسلكه في صراعها من أجل البقاء غير الحرب والتهديد بالحرب؟

صحيفة الخليج الإماراتية

 

البث المباشر