قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: بالصوت العالي..غزوات "مدبلجة"


وسام عفيفه

بعيدا عن الثورات العربية, لنذهب إلى الغزوات الثقافية التي تدفعها إلينا العواصف الإعلامية.

منذ انتهاء الحملات الاستعمارية العسكرية على المشرق العربي خلال القرن التاسع عشر, وبعد أن غادرت الأساطيل الحربية منطقتنا الغنية بالنفط والجهل, تشن دول جديدة حملات ثقافية وترسل أساطيلها الإعلامية عبر الأقمار الصناعية والفضائيات.

أهم الأسلحة الناعمة الجديدة في الحملات الثقافية المسلسلات المدبلجة , والموجة التركية كانت الأبرز خلال العامين الأخيرين.

تركيا دخلت معظم بيوت الوطن العربي وخطفت عقول وعيون مشاهديه في ظل شعورهم بعقدة النقص ورغبتهم الشديدة للتعرف على حياة وثقافة الآخرين.

ولم يتوقع الشريف حسين الذي ثار ضد الدولة العثمانية عام 1916 بدعم من بريطانيا, أن مهند (التركي) سيعود فاتحا شاشات تلفزيوناتنا.

غارات المسلسلات "المدبلجة" لم تعد مقتصرة على التركية, و هناك حملة "مدبلجة" من عدة ثقافات ودول منها الكورية, والهندية, وحتى ايران أرسلت بعضا من مسلسلاتها "المدبجلة" لتحوز على نصيبها من العقل والوعي العربي.

المواطن يجلس أمام التلفزيون ويتنقل بين المسلسلات, ويحفظ مواعيدها عن ظهر قلب, و"الريموت" بين كفيه يقول له: "شكل بأيدك ولا الزمان يكيدك".

ومن نتائج هذه الغزوات الثقافية المدبلجة إثارة انقسامات أسرية وصراعات عائلية تصل حد الصدام.. فمثلا وقع صديق لي، مولع بالتلفزيون ومتابعة المسلسلات التركية, في خلاف شديد مع زوجته نتيجة إصدار حماته لفتوى تحرم المسلسلات التركية لما تتضمنه من مشاهد وممثلات جميلات, وانه يجوز مشاهدة المسلسلات الكورية.

 صديقي اضطر للنزول عند فتوى الثنائي الخطير (زوجته وحماته) وانتقل لمشاهدة الكوري, لكن بعد أيام ونتيجة الملل من المسلسل الكوري, عدلت حماته الفتوى بجواز مشاهدة التركي, وعاد مؤخرا لمتابعة مسلسله التركي المفضل.

بعض خبراء علم الاجتماع السياسي يرون في هذه الحملات الفنية غزوا استعماريا ثقافيا حتى لو كانت تربطنا مع بعض دوله علاقات صداقة وروابط تاريخية مثل تركيا, كما ان المسلسلات تندرج في إطار الصراع الدولي على المصالح في المنطقة.

أطفالنا يخترقون أحيانا السياج الأمني للتلفزيون ويتعرضون لهذه المسلسلات التي باتت تجذبهم أكثر من المسلسلات العربية, لأنها تقدم لهم جرعات جديدة وغريبة من المشاهد والصور والموديلات, والموضة, والاسماء.

أما التنافس العربي فينحصر في الترجمة ولهجات الدبلجة .. مدبلج سوري – خليجي –مصري.

وتزداد مخاطر هذا الغزو لدى امتنا لأنها تعاني أمية ثقافية, ولتوضيح ذلك نسوق بعض نتائج مؤتمر عقده اتحاد الناشرين العرب, يشير إلى أن متوسط ما يقرؤه الأوروبي هو خمسة وثلاثون كتاباً في السنة، في حين أن الإسرائيلي يقرأ ما متوسطه أربعون كتاباً في السنة، أما الشاب الهندي فإنه يقرأ ما يقارب عشر ساعات أسبوعياً، أما العربي فقد ذكر الباحث أن كل ثلاثة آلاف ومائتي عربي يقرؤون كتاباً واحداً في السنة.

ربما تعيد الثورات العربية للمواطن ثقته بنفسه, فينتفض ضد الغزوات الثقافية ويثور على نفسه الأمارة بسوء المتابعة والمشاهدة.

البث المباشر