غزة-محمد بلور-الرسالة نت
تقاطرت قوافل المهنئين إلى منزل النائب المحرر محمود داوود الخطيب 37 عام المكنى بـ"أبي داوود" رغم الأجواء الماطرة, بعض الحاضرين خفقت قلوبهم من خطر المخبرين في الطريق وآخرون غامروا برحلة اعتقال متوقعة لدى أجهزة فياض.
وعلاوة على حكمه المنتهي قبل 36 شهرا أهدوه ستة أشهر إضافية ليحضر الشتاء في المعتقل وينشد مع سحابته الممطرة، قبل أن يتم الإفراج عنه الاثنين الماضي.
والنائب الخطيب متزوج وله 6 أبناء فرح بلقائهم قدر فرحتهم بلقائه.
وكانت قوات الاحتلال أفرجت الاثنين الماضي عن ستة نواب من محافظتي الخليل وبيت لحم بعد انتهاء محكوميتهم ومازالت تعتقل عددا آخر في ظروف قاسية.
النائب المحرر ذو حس مرهف وكنانته مليئة بتجربة طازجة فقد أنشد الشعر أسيرا وأنشده محرراً في حوار مع الرسالة، هذه تفاصيله:
الفرحة المرّة
قرأ النائب الخطيب الأرصاد الجوية ساعة الإفراج عنه بأنها صافية مع وجود مشاعر الفرح والحزن في آن واحد, فعلى حاجز الظاهرية جنوب الخليل عاش لحظات من البهجة بعد 42 شهرا قضاها في أربعة معتقلات إسرائيلية.
وأضاف:"كانت تجربتي الأولى في حياتي عشت مرارتها بكاملها فقد كنت أسمع عن أوضاع المعتقلين لكني عشتها عن قرب".
يتحدث البرلماني الشاب بعبارات سريعة ومتشابكة فقد جسدت تجربة الأسر له إضافة جديدة توجت بكونه برلماني محرر افتتح حياته السياسية داخل المعتقلات.
يزاوج الخطيب بين شعوره بالفرح وجرح عميق نبشه هؤلاء الأسرى القابعين في المعتقلات الإسرائيلية مضيفا: "فرحتي الحقيقية حين يخرج أصحاب الأحكام العالية وأصحاب المؤبدات من قبورهم لكني أقول إن فرج الله قريب وحماس لن تنساكم أيها الأسرى والصفقة لن تتم إلا بخروجكم فاصبروا إن فرج الله قريب" .
وأنشد الخطيب أبياتا من الشعر قائلا:
ورد الكتاب من الحبيب بأنه سيزورني فاستعّرت أجفاني
نزل السرور علي حتى أنه من فيض ما قد سرني أبكاني
يا عين قد صار البكا لك عادة تبكين في فرح وفي أحزاني
محطات خلف القضبان
ويحدد النائب الخطيب محطات مهمة مرت عليه في الاعتقال أولاها مفاجأته بالاعتقال غير المبرر والذي زاد عن حده بعد أن اختارهم الشعب الفلسطيني في انتخابات ديمقراطية ليمثلوه في المجلس التشريعي فإذا بالعدو الإسرائيلي يرتكب مجزرة ديمقراطية.
وحول مطلب النواب الفلسطينيين المحررين منهم والأسرى أضاف:"مطلبنا دائما كنواب محررين هو تحرير الأسرى الذين يعانون من أوضاع صعبة وينتظرون صفقة التبادل ورسالتنا ونحن محررين ألا تنسوا الأسرى ونقول للمفاوضين ليتقوا الله ويمضوا نحو إعادة الوحدة واللحمة للوطن والمعركة الحقيقية".
ويرى الخطيب أن التقلبات السياسية مضت بشكل سريع بين الضفة المحتلة وغزة مضيفا: "بعد تقرير غولدستون نحن كمعتقلين كنا نتأمل ولازلنا أن الخيار الوحيد هو الوصول للمصالحة الوطنية وهو خيار دائما نبحث عنه وكلما كانت الأمور تشتد وتقسو كنا نزداد أمل بالمصالحة فلا مفر!" .
وكشف المحرر الخطيب عن حالة المفاجأة التي عاشها وزملاؤه النواب داخل المعتقلات جراء ما شهدته ساحة غزة والضفة من الانقسام السياسي وتوابعه متمنيا الوصول إلى حل وطني جامع.
واعتبر المحرر النائب الخطيب إعلان رئيس السلطة منتهي الولاية عباس عن إجراء انتخابات مطلع العام المقبل مجرد ورقة ضغط على حركة حماس لتقبل بما طرح عليها مؤخرا.
وأشار أنه وزملاءه يعتبرون الورقة المصرية بحاجة لتعديلات تضمن حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني خاصة بعد أن تكاثرت أوراقها فبدأت بثمانية ووصلت إلى 28 ورقة.
وبعيون خلف القضبان وصف الحالة السياسية عقب الحرب على غزة بأنها شهدت تطورا كبيرا تبعه تصريحات ومناكفات إعلامية مضيفا:"كنا نتمنى أن تتلطف الأجواء وتمنينا نحن النواب أن يصل المتحاورون لحل حاسم ينهي الخلاف".
الطريق إلى المحكمة
من منطلق الخبرة يلخص المعتقلون الفلسطينيون معاناة فترة الاعتقال بأنها النزول إلى المحكمة, ذلك طبعا لما تتحلى به من أجواء تؤلمهم ويرجون غيرها.
وأضاف المحرر الخطيب: "الأسرى يعانون من الإهمال الطبي المتعمد كما يعلم الجميع وحالتهم مأساوية وهناك تحرشات من إدارة السجون وتفتيش استفزازي وتفتيش في البوسطة".
ويصف رحلة الخروج للمحكمة بأنها رحلة عذاب حقيقية فيتابع: "ممكن تخرج الساعة الثامنة فيلقوك وينسوك مثلا حتى الثانية عشر ثم يفتشوك بشكل استفزازي وأنت مقيد الأيدي والأرجل وتظل ساعات طويلة حتى تصل الرملة ثم يعيدوا تقييدك وإلقاءك بعد الفجر ثم يعرضوك على المحكمة ثم تعود للسجن ليقول لك القاضي أنت مذنب !! ثم تبدأ رحلة العودة كما بدأت فتتمنى أن تعود للسجن وترتاح من البوسطة!!" .
قمقم القبر
وقابل النائب المحرر كثير من المعتقلين يذكر من أبرزهم أسرى العزل مثل الشيخ محمد النتشة ذلك المعتقل المعزول والمقيد طوال الوقت, حين وصل النتشة يوما لمعتقل النقب سمع الخطيب منه كلاما قال فيه:"خرجت من قمقم القبر إلى الدنيا فأول مرة التقى الناس منذ 30 شهر" .
ولازالت مصلحة السجون تحرم الأسرى من فرصة الزيارة والالتقاء بأهلهم وذويهم .
وقرب الإفراج عن النائب الخطيب خضع لإجراءات مشددة وتفتيش دقيق وصفه بأنه شبيه بيوم اعتقاله ودخوله المعتقل.
وتحدث عن شعوره لحظة الإفراج قائلا: "مشاعري مضطربة وغلب عليها القلق فهناك فرحة مع حزن لأني التقيت بأهل وودعت أهلا فأسأل الله أن تتم الصفقة ويتحرروا جميعا".
ويأمل الخطيب أن تتم صفقة تبادل الأسرى في القريب العاجل مشددا على ازدياد معاناة الأسرى داخل المعتقلات إضافة لآماله باقتراب المصالحة الوطنية .
ويذكر الخطيب لحظات مؤثرة عايشها داخل المعتقل حين استشهد الشيخ نزار ريان وسعيد صيام في الحرب على غزة ورأى الجثث والأشلاء تتناثر في كل مكان فهزّ المشهد وجدانه.