قائمة الموقع

مقال: "ضرار أبو سيسي» من أوكرانيا إلى السجن الإسرائيلي

2011-04-04T06:29:00+03:00

بتاريخ 19 شباط/فبراير 2011، قام رجلان يرتديان زي الشرطة الأوكرانية ومدنيان آخران باختطاف المهندس ضرار موسى أبو سيسي، البالغ من العمر 42 عاماً، ويعمل مديراً لقسم التشغيل في محطة توليد الكهرباء بغزة، من قطار انطلق من مدينة خاركوف في أوكرانيا، ومن ثم قاموا بنقله إلى شقة للتحقيق معه، وبعد ذلك نقلوه إلى الكيان الصهيوني جواً عبر محطة أخرى كما روى هو لاحقاً لمحامي المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان حين قابله في سجن عسقلان العسكري الإسرائيلي.

لولا المتابعة الحثيثة من قبل زوجته الأوكرانية (له منها ستة أطفال) وشقيقه القادم من هولندا للقائه بعد فراق 14 عاماً، لما اعترف الإسرائيليون بوجوده لديهم، حيث اتهمت الزوجة جهاز الموساد باختطافه قبل أن يعترف الأخير بذلك، وقبل أن يتصل هو شخصياً بها من السجن بعد شهر من اختطافه.

السلطات الأوكرانية التي احتجت بشكل خجول على العملية بعد افتضاحها، تبين باعتراف الإسرائيليين أنها لم تكتف بالتعاون مع الموساد، بل أشرفت على العملية أيضاً، الأمر الذي يسيء إليها من جهة، لكنه يكشف من جهة أخرى حجم الاختراق الذي حققته دولة الاحتلال في عدد من الدول التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، أكان لاعتبارات التعاون متعدد الأشكال مع تلك الدول، أم لاعتبارات النفوذ اليهودي القوي فيها.

دوائر الاحتلال اعترفت لاحقاً بأن هدف عملية الاختطاف يتعلق بمساعي الحصول على معلومات حول مكان الجندي الإسرائيلي «شاليط»، ويبدو أن التحقيق الأولي مع «أبو سيسي» لست ساعات في أوكرانيا لم يثبت شيئاً، ما استدعى نقله إلى السجن الإسرائيلي، والأرجح أن تكون لدى تل أبيب معلومات مسبقة عن صلة له بالأمر، بصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أم لا.

وفيما زعم نتنياهو أن الأسير المخطوف قد أدلى بمعلومات مهمة من دون أن يوضح ما إن كانت عن شاليط أم لا، فقد نفى أبو سيسي أثناء عرضه على المحكمة الإسرائيلية أي صلة له بملف شاليط.

ما يعنينا هنا إضافة إلى التعاون الدولي مع جهاز الموساد الإسرائيلي (لفلفلة الدول التي استخدمت جوازات سفرها في عملية اغتيال المبحوح للقضية دليل آخر على ذلك التعاون)، ما يعنينا هو الإصرار الإسرائيلي على الوصول إلى شاليط عبر عملية عسكرية ومن دون صفقة تبادل.

كان هذا رأينا في سياق الحديث عن مفاوضات التبادل قبل الوسيط الألماني وبعده، وثبت ذلك عندما قبلت حماس بعرض الوسيط، فتراجع نتنياهو عن ما وافق عليه سابقاً، ما أكد أنه يناور لاعتبارات داخلية لا أكثر. لا يعني ذلك بالطبع استحالة خضوع نتنياهو أو سواه لشروط المقاومة والقبول بصفقة تبادل معقولة، لكن الأمر يبدو صعباً إلى حد كبير، والسبب بالطبع هو الثمن السياسي الكبير المترتب على صفقة يخرج من خلالها أبطال كبار من رموز المقاومة المحكومين بعشرات المؤبدات، وهو ثمن لا يبدي الإسرائيليون قابلية لدفعه في ظل وجود طرفين في الساحة الفلسطينية يتنافسان على تمثيل القضية، أحدهما يؤمن بالمقاومة وسيحصل هو وخياره على دفعة استثنائية بسبب الصفقة، وآخر يؤمن بالمفاوضات ويحذر رموزه في الغرف المغلقة من تأثيرات صفقة من هذا النوع على مسار الصراع كما اعترفت بذلك دوائر إسرائيلية بحسب تسريبات عديدة للصحافة.

صراع من هذا النوع يجري فيه اختطاف جنود ومبادلتهم يتطلب إجماعاً فلسطينياً حول مسار المقاومة، أما في حالة من النوع الذي نعيش، وحيث يميل الذين يعترف بهم العالم كممثلين للقضية إلى الأخذ بمسار آخر، فإن الموقف يبدو صعباً لجهة إنجاح صفقات من هذا النوع.

كل ذلك لا يعني التأمين على هراء طالما ردده مهزومون خلاصته أن ثمن شاليط كان عدد كذا من الشهداء وكذا من الجرحى والبيوت المهدومة إلى غير ذلك، لأن الصراع من أجل فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني كان ولا يزال مستمراً بشاليط ومن دونه، وقد دفع الفلسطينيون أثماناً باهظة طوال الوقت من دون أن يكون هناك جندي أسير.

ثمة جانب آخر يتعلق بقدرة المقاومة على أسر الجندي، ومن ثم الاحتفاظ به كل هذا الوقت (سيكمل أربع سنوات قريباً)، وهي معجزة حقيقية في ظل وضع قطاع غزة المعروف والمكشوف، وهنا يتبدى حجم الإذلال الذي تعرض له المجتمع الإسرائيلي طوال هذا الوقت بسبب هذه القضية، وهو بُعد بالغ الأهمية في الصراع ربما لا يدركه، أو لا يريد أن يدركه المهزومون.

بقي القول إنه سواء نجحت المقاومة في فرض صفقة على المحتلين، أم تمكنوا من الوصول إليه حياً أو ميتاً، فقد حققت العملية (أسر الجندي والاحتفاظ به كل هذا الوقت) الكثير من أهدافها في إذلال العدو والتأكيد على أن المقاومة لا تنسى رجالها، وأنها ماضية في طريقها حتى تحرير الأرض وتحرير الإنسان واستعادة الكرامة.

صحيفة الدستور الأردنية

 

اخبار ذات صلة