قال تعالى على لسان ذي القرنين : (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً) (الكهف:87-88)
نظراً لأن المرء لا يدري كيف تسير الأمور ، وأن الله سبحانه وتعالى هو الأعلم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون . فربما يخطط الإنسان إلى حتفه وهو لا يدري . وهذا ما أقدم عليه أبو جهل عمرو بن هشام عليه لعنات الله ، والذي قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم إنه طاغوت هذه الأمة ، وليس وراءه طاغوت . إذن ماذا يشكل هؤلاء الزعماء الذين يريدون أن يحكموا شعوبهم بالحديد والنار ؟! إما أن يحكموهم وإما أن يقتلوهم . إنهم لا يصلون إلى ما وصل إليه طاغوت هذه الأمة من جبروت وعنجهية وإجرام ، وهو الذي قتل سمية رضي الله عنها ، وعذب الصحابة عذاباً أليما. وكان على رأس الجيش الذي خرج يقاتل محمداً صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين في معركة بدر الكبرى ، فأمكن الله منه على يدي غلمان من الأنصار ، ما كان أبو جهل يأبه بأمثال هؤلاء الغلمان ، لقد أودت به عنجهيته إلى الوصول إلى حتفه المحتوم ، لقد تذكرت وأنا أستمع إلى قائد الثورة في الجماهيرية العربية الاشتراكية الوطنية العظمى ، وهو يهدد ويتوعد شعبه الثائر عليه وعلى أزلامه الذين أذاقوا شعبه مر العذاب ، وبددوا أمواله على نزواتهم الشخصية . يتوعدهم أن يسير إليهم بالملايين ، ويلاحقهم بلدا بلدا ، حارة حارة ، بيتاً بيتاً ، زنقة زنقة ، شبراً شبراً ، يريد أن يبيد خضراءهم ، ويقتل رجالهم ويرمل نساءهم ، وييتم أطفالهم . تذكرت ما قاله طاغوت هذه الأمة وفرعونها ، يوم أن أرسل إليه أبو سفيان بن حرب قائد القافلة القادمة من الشآم إلى مكة ، وهو الذي أرسل إلى مكة يستنجدهم ، لاستدراك القافلة قبل أن يستولي عليها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين . فكان أبو جهل يدور على بيوت مكة بيتاً بيتاً ، حارة حارة ، زنقة زنقة ، حتى استطاع أن يخرج من كل أسرة رجلاً يحارب في الجيش الذي يريد أن يستنقذ القافلة ممن يريدون الاستيلاء عليها . وسار بجيشه من مكة إلى المدينة المنورة ، وهو في وسط الطريق ، جاءته رسالة من قائد القافلة أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه : أن ارجع بالجيش ، فقد نجت القافلة التي خرجتم لإنقاذها . فأبى أبو جهل ، وشخر ونخر ، وفكر وقدر ، فقتل كيف قدر ، ثم قتل كيف قدر ، ثم نظر ، ثم عبس وبسر ، ثم أدبر واستكبر وقال : لا واللات والعزى ، لا نرجع حتى نرد ماء بدر ، ونذبح الجزور ، ونشرب الخمر ، وتغني القيان ، وتسمع بنا العرب فتهابنا أبد الدهر . ولم يدر أبو جهل أن الله سبحانه وتعالى جعل القافلة الطعم الذي سيخرج أبا جهل وكبار الملأ من قريش – أمية بن خلف وأبي بن خلف ، وشيبة وربيعة وعتبة وغيرهم عليهم لعنات الله وملائكته والناس أجمعين - الذين كان لهم قصب السبق في العناد والكفر وتعذيب عباد الله الذين يريدون وجه الله واليوم الآخر . ومكر بهم رب العزة والجلال ، فأتى بهم إلى حتفهم مع ما كانوا عليه من عنجهية واستكبار في الأرض . قال تعالى : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) * إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ* وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (لأنفال:42-44) وجاءت كلمات الله سبحانه وتعالى تحذر الناس كل الناس وعلى رأسهم المؤمنون من أن يتشبهوا بأبي جهل وجيشه ؛ قال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (لأنفال:47) وقد بات رسولنا صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وهو يدعو ربه وكان معه في العريش صديقه أبو بكر رضي الله عنه ، وظل يدعو الله حتى سقط الرداء عن كتفه الشريف ، ونزل المدد من السماء الثالثة وعلى رأسه أمين وحي السماء جبريل عليه السلام ، فاستبشر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وأخبر صاحبه ، ونزل وعدل الصفوف ، وأرى صحابته مصارع القوم ، قائلاً : هنا مصرع أبي جهل ، وهنا مصرع أمية بن خلف ، وهناك مصرع أبي بن خلف إلى آخر الزعماء الذين سيقتلون في المعركة ، وشجع الصحابة رضوان الله عليهم ، وحثهم على القتال ، وأن من قاتلهم فقتلوه مقبلاً غير مدبر فله الجنة . ودارت الدائرة على أعداء الله ، ونصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم . وحُزَّ رأس أبي جهل على يدي راعيه سابقاً عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، حيث وجده قد أثخنته الجراح يعاني من شدتها ، فساًل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لمن الدائرة اليوم يا رويعي الغنم ؟ فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، عليك يا عدو الله . قال: لا علي من شيء من رجل قتله قومه . وأخذ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يحز رأسه بسيفه القديم فلم يستطع ، وقد ارتقى صدر أبي جهل عليه لعنات الله ، فقال له أبو جهل : لقد ارتقيت مرتقاً صعباً يا رويعي الغنم ، ليس هكذا يذبح الرجال يا رويعي الغنم ، اترك سيفك ، وخذ سيفي ، وحزني من الخلف . أنظر أخي المسلم ؛ كم كان جبروت هذا الفرعون المجرم ، يدل عبد الله بن مسعود على كيفية ذبح الرجال من الخلف .
يتبع ...