د. عمر صالح فروانه
لا تعجب من هذا العنوان، وأعرف أنك لا تعرفه ولكنه رجل عظيم. عظيم في منشئه وعظيم في نسبه وعظيم في ذاته. حين وصلت إلى مدينة ليدز شمال انجلترا للحصول على درجة الدكتوراه قابلت هذا الرجل العظيم وأحببته وعشت معه أخوة رائعة عميقة.
من لا يحب أبو رياض؟ هذا الرجل المعطاء الخدوم المحب لكل مسلم. في درس الأربعاء تجده يعطي معظم جدول المحاضرات، يتجول فينا في جنبات التاريخ الإسلامي الحديث، يكشف لنا ما وجد من ملفات الخارجية البريطانية التي كشف النقاب عنها حديثاً، ويتحدث لنا عن لورانس العرب، ماذا فعل، وكيف أدار معركة تحول الشريف حسين إلى بريطانيا بعد أن كانت الوجهة نحو دولة الخلافة، مراسلات حسين مكماهون، وعن الدولة الإسلامية في أوجها وكيف دبت الخلافات والنزاعات وما هي أسباب هبوطها وسقوطها أخيراً بعد إزاحة السلطان عبد الحمد وتولي كمال أتاتورك الذي أعلن القومية التركية وتنكر لكل ما له علاقة بالتاريخ التركي العثماني، فسقطت الخلافة وسقط معها العالم الإسلامي فريسة في يد الغرب الذي تقاسمه فيما بينه والذي بقيت آثاره حتى الآن ولولا ثورة الشعوب في تونس ومصر وغيرها لبقيت آثار سقوط الخلافة إلى ما لا نهاية.
هذا الرجل من العراق وليس من فلسطين ولكنه كان يحب فلسطين كما يحب العراق وأكثر. يروي لنا رواية حزب البعث وحاله وظلم صدام في تلك الحقبة، وكنت أحكي له كيف تعاملنا المخابرات الإسرائيلية وما نكابده أثناء المقابلات في السرايا، فيضحك ويقول أنتم ناس (فسقانين) أي مدلَّلون، الكل يعرف قصتكم ويتعاطف معكم، لأن عدوكم هو إسرائيل وهي تحتل أرضكم ولكن شعب العراق يذبح ويهجر ولا أحد يقف معه أو حتى يسمع عنه، يحب العراق حياً شديداً وطالما حكى لي عن مركبه الصغير (نسيت اسمه بالعراقي) وكيف كان يركب فيه ليتجول في الفرات وأنه يوجد لكل عراقي مثل هذا المركب الخاص الذي لا يتسع إلا لفرد واحد، لطالما تغنى بالعراق واشتاق إليه وتمنى أن يعيش فيه ويموت فيه ولكنه مات في بريطانيا. اتصلت به قبل أشهر قليلة لأعزيه في والده الشيخ الفاضل كاظم الراوي وهو من كبار علماء العراق وقبلها في أخيه الدكتور عصام الراوي الذي كان أستاذاً بجامعة الموصل وقد حكم عليه صدام حسين بالإعدام بعد أن قبض عليه مع مجموعة من طلبته بتهمة تنظيم إخوان مسلمين وبعد تدخلات شديدة من كل العالم العربي والإسلامي تم تعديل الحكم إلى السجن مدى الحياة، فهنأناه وقامت الأفراح يومها في ليدز ولفبره بإنجلترا و"راوة" في العراق وهي التي ينسب إليه (الراوي) حيث يعلم الجميع أن كل السجناء يخرجون في أية مناسبة قادمة لصدام حسين، مثل عيد ميلاده أو ميلاد أبنائه أو أحفاده، وهذا ما حصل، وأفرج عن الدكتور عصام في واحد من هذه المناسبات ولكنه قتل بأيدي الغدر حيث وقف مدافعاً عن العراق وشعب العراق وصدام العراق حين أصبح البديل هو أمريكا واستعمارها واستغلالها للعراق وشعبه، وأخوه الأكبر هو أحمد الراوي "أبو حسن" مسئول التنظيم الدول للإخوان في أوروبا في تلك الفترة، فهي أسرة عظيمة بعضها من بعض، وأعود إلى أبو رياض من جديد ليس محاضراً في مسجد المركز الإسلامي "عمر هاوس" في ليدز ولكنه طباخاً في مطبخ المسجد، يحضر طعام الإفطار للصائمين في الأيام التي ليس بها مناسبات عامة فكان يأبى أن لا يجد الشباب عن المتزوج مائدة طيبة وقت الإفطار، فيعد لهم الإفطار بنفسه في المسجد، أما أيام الإفطار الجماعي فكان أيضاً يشارك فيه بنسبة عالية فيقوم بالطبخ لأكثر من 150 فردا، وكثيراً ما شاركته أو تبادلت معه هذه النشاطات. رحم الله أبو رياض، الذي أحبه كل من عرفه وكل من سمع عنه وكل عربي أو مسلم درس في ليدز شمال انجلترا. وإنا لله وإنا إليه راجعون.