في دعوة جاءت على لسان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي متان فلنائي , يدعو فيها السلطة في رام الله إلى إعلان حرب على حركة حماس , واصفا إياها بالتنظيم الإرهابي الذي لا يفهم سوى لغة الحرب، ويطلب من الفلسطينيين في هذا الإطاران يثبتوا قدرتهم على إدارة دولة فلسطينية.
يأتي هذا الحديث وتلك الدعوة بعد مقتل مستوطن وجرح آخرين كانوا قد دخلوا إلى منطقة (قبر يوسف) قرب نابلس الواقعة ضمن السيطرة الفلسطينية هناك، على الفور تعلن السلطة في رام الله أنها فتحت تحقيقا في ذلك الحادث الذي نفذ على يد شرطي فلسطيني بعد أن لاحظ تحركاتهم الغير طبيعية فقام بإنذارهم بإطلاق بعض العيارات النارية في الهواء قبل أن يوجه إليهم الرصاص .
تمضي السلطة في ملاحقة خمسة عشر شرطيا فلسطينيا ذوي علاقة بالحادث وإخضاعهم لجملة من التحقيقات المتواصلة , وقد صرح مسئولا امنيا في سلطة رام الله أن هذا الحادث قد وقع نتيجة عدم تنسيق هؤلاء المستوطنين مع جيش الاحتلال الذي بدوره ينسق لهم مع أجهزة رام الله الفلسطينية لتأمين دخوله ذلك المحيط .
وكأني به يعتذر ويأسف ذلك المسئول الأمني عن تلك الواقعة المؤلمة , والتي لو تم التنسيق المعتاد لها فيما بين المستوطنين وجيش الاحتلال الذي بدوره سيعمل على التنسيق مع إخوانه في أجهزة رام الله لضمنوا توفير الحماية والراحة لرحلة هؤلاء المستوطنين , ولما قد تحملها تلك الرحلة من تجاوزات وانتهاكات لحقوق المواطنين الفلسطينيين من أصحاب تلك المنطقة , إذن واجب السلطة وأفراد الأمن و الشرطة الفلسطينية الإيفاء لكل الصفقات التي عقدت لتضمن السلامة والصحة الأمنية للاحتلال وللمستوطنين حينما يريدوا الدخول إلى المناطق الفلسطينية الواقعة تحت سيطرة سلطة رام الله وحينما يريدوا تنفيذ مخططات ومهام عدوانية قد تطال الفلسطينيين .
ولقد شهد الجميع في الآونة الأخيرة جرأة هؤلاء المستوطنين في تنفيذ الكثير من العمليات والفعاليات التي تؤذي المواطن الفلسطيني دون أن يتصدى لهم جيش الاحتلال أو أجهزة الأمن الفلسطينية , وعلى العكس رأينا أن تلك السلطة في حماية ذلك المستوطن ليدخل أينما شاء من المناطق - كانت ضمن الحدود الفلسطينية أم لم تكن - وليفعل ما يشاء ضمن الحقوق الإسرائيلية , بل وله من التنسيق الأمني والترتيبات الفلسطينية ما يكفل له هذا الحق , وتنفيذ تلك المهام على أكمل وجه مع ضمان الا يصابوا بأي مكروه .
مؤشر خطير ينذر قمة الهرم في استخبارات رام الله , في أن يكن ذلك الشرطي الذي أطلق النار قد استفزته تلك الممارسات الصهيونية المتعمدة في حق أهله الفلسطينيين ففعل فعلته التي فعل , أو أن يكن ذلك الشرطي على قدر من الغباء الذي لم يستطع من خلاله التمييز بين تجاوز المواطن الفلسطيني والمستوطن الإسرائيلي , فالإسرائيلي هنا يجب أن يكون بين قوسي الأمن والحماية الفلسطينية مهما فعل ومهما ارتكب من خطيئة , وهذا ما صرح به وزير جيش الاحتلال يهود باراك قائلا: لا يمكن تبرير إطلاق النار على أبرياء حتى وان كانت هناك مشكلة تنسيق الجيش والشرطة الفلسطينية.
فالتصرف الأمثل- من وجهة نظره – يبرز في تلك الحوادث التي تعامل معها رجال الأمن الفلسطينية منصفا ذلك العدو الصديق , كحادثة دهس الطفلين قرب مدينة الخليل حيث تطايرت أجسادهم بفعل سيارات المستوطنين التي تعمدت إصابة الطفلين , فلم يحرك جيش رام الله العتيد ولا أفراد الشرطة ساكنا ولم يصف جيش الاحتلال هذا الفعل بالغير مبرر , وفي عملية عسكرية إسرائيلية لم تبتعد بتاريخها عنا كانت اشد وطأة على حرمة الوطنية الفلسطينية التي انتهكتها رام الله حين دخلت قوات الاحتلال منطقة فلسطينية لتقتل رجلا مسنا وتصيب آخرين ومن ثم تعتقل من يحلوا لها دون أن تخرج تلك الرجال من صوامعهم الأمنية ودون أن يخرج أي مسئول كالذي خرج أمس ليصرح و ليعتذر ويعلن ملاحقة المتورطين من الشرطة هناك .
إن هذا الحادث قد تجاوز حدود المناطق الفلسطينية وحدود الحقوق الفلسطينية التي تبيحها كل القوانين والشرائع في إنهاء الاحتلال ودحره، إذن الحادث ليس مقتل مستوطن صهيوني ولكنه مقتل ما تبقى من وطنية ومسؤولية تاريخية في جسد تلك السلطة .