مقال: فلسطين.. الورقة الرابحة

مصطفى الصواف

رياح التغيير في العالم العربي فهمها البعض وأخطأها آخرون، وأكدت هذه التغييرات أن القضية الفلسطينية لا زالت حاضرة في ذهن وخاطر وقلب كل عربي، وأن سوء الأنظمة غيّب هذه القضية المركزية عن أجندة الشعوب -أو أنها قهرت هذه الشعوب- وأرادت منها صرف النظر عن القضية الفلسطينية.

ولعل الشعوب كانت ترى ما لا يراه النظام، وهو أن القضية الفلسطينية لا حل لها عبر التفاوض أو عبر اتفاقيات السلام مع الاحتلال الإسرائيلي، وكانت هذه الشعوب على يقين بأن المقاومة هي الحل، والتي ظن النظام العربي -وعلى رأسه سلطة محمود عباس- أنها غير مجدية وأن عصرها انتهى؛ فحاربوها –المقاومة- بكل ما لديهم من قوة سواء عبر التعاون الأمني والاستخباراتي مع المحتل ومع أمريكا والغرب.. ولكن هذه التغيرات الحاصلة أعادت البوصلة لدى ما تبقى من نظام ومن الأنظمة الجديدة التي أحدثتها الثورات الجماهيرية.

ومن يطالع ما نشر من استطلاع للرأي قام به مركز الأبحاث الأمريكية حول نظرة الشعب المصري لاتفاقية السلام بين مصر و"إسرائيل"، يرى أن النتائج تقول بأن 54% من المستطلع آراءهم من الشعب المصري لا يرغبون في مواصلة الالتزام بمعاهدة السلام مع "إسرائيل"، والتي وقعت عام 1979 ويرفضون بقاء السفارة الإسرائيلية في القاهرة.

وفي هذا تحفّظي على مصداقية مثل هذه الاستطلاعات؛ لأن الواقع المصري يقول بأن نسبة أكبر من ذلك بكثير ترفض هذه المعاهدة، وترفض استمرار العلاقات المصرية الإسرائيلية ويرون بعدم الفائدة من تعميق العلاقات معها، ويرون أن أهم مساوئ نظام مبارك تعميق العلاقة مع "إسرائيل".

هذا مثال على الأنظمة التي حدث فيها التغيير، ولعل الأردن مثال ثانٍ لمن فهم ماذا يريد الشعب في قضيته المركزية، وإن كانت خطوات النظام الأردني تتجه نحو استمالة الإخوان المسلمين بتحسين العلاقات بين الأردن وحركة حماس، وهذا واضح في الفترة الأخيرة من تقارب بين حماس والأردن، بعد أن كان اللقاء مع حماس في الخارج أو في غزة وحكومتها من المحرمات في العهد السابق، بات الآن هناك تواصل وتعاون وثيق بين الجانبين، وما أدل على ذلك الخطوة التي أعلنت عنها الحكومة الأردنية من الإفراج عن ثلاثة من أنصار حماس في الأردن اتهموا بالتعاون مع حماس، إضافة إلى التواصل المعلن وغير المعلن من قيادات حماس في الداخل والخارج؛ من أجل إعادة العلاقات بين الجانبين إلى مسارها الطبيعي.

الأردن أدركت أن حماس (المقاومة) تستحوذ على الناس وتحركهم باتجاه التغيير ليس كونها من يقوم بذلك، وهذا ليس عهد حماس أو تفكيرها؛ ولكن من نهجها وسلوكها وتبنيها المقاومة وتصديها للاحتلال.. كل ذلك جعلها محركا لهذه الثورات ووجدناها في ميدان التحرير مثلا، فأدرك النظام الأردني اللحظة المناسبة وأخذ في تغيير سياساته مع المقاومة في فلسطين (حماس)، وهو الآن يعمل على تطوير العلاقة معها؛ الأمر الذي انعكس على الجمهور الأردني وانعكس على العلاقات (الأردنية-الإسرائيلية) التي تشهد فتورا غير مسبوق منذ توقيع اتفاقية وادي عربة.

هذا يسوقنا أيضا إلى التأكيد على أن الورقة الفلسطينية لا زالت هي الوراقة الرابحة لمن يحملها بحقها، وأعتقد أنه إذا حملها النظام المصري الجديد سيكتب له الاستقرار والنجاح في المجتمع المصري وعلى الصعيدين العربي والإسلامي، والأمر ينعكس على النظام الأردني لو أحسن استخدام هذه الورقة، فهو سيجنب نفسه أي اضطرابات وستوثق العلاقات مع الجمهور بما يحفظ النظام، إلى جانب إدخال تعديلات مختلفة على الحريات العامة وتخفيف قبضة الأجهزة الأمنية -تحديدا جهاز المخابرات عن الحياة العامة- وتحسين الأوضاع الاقتصادية وغيرها.

 

 

البث المباشر