بقلم صابر محمد أبو الكاس
كان إعلانا مفاجئاَ، لطالما انتظرناه طويلا، إنه إعلان المصالحة الفلسطينية الذي أعلن هذه المرة من مصر الثورة والعروبة التي تغير حالها من خادم لدولة الاحتلال ومنفذ لسياساتها في السابق إلى خادم للقضية الفلسطينية ومنفذ للسياسات الشعبية.
فلقد أصبحت القضية الفلسطينية محورا هاما وأولوية لدى القيادة المصرية الجديدة، فهي لحظة انتظرناها طويلا بفارغ الصبر، إلى أن جاء الوقت المناسب والتي تبدلت فيه الظروف والمتغيرات، فمصر اليوم حرة من الاملاءات الخارجية فهي تتحدث بلسان الثورة والثورة فقط وتعمل بروحها الإيجابية.
إنها مفارقات عجيبة ومفصلية في تاريخ الجمهورية المصرية، فمصر هي الدولة التي وطأتها وزيرة الخارجية الإسرائيلية أواخر عام 2008 وأعلنت منها الحرب على قطاع غزة بوجود رموز النظام البائد، هي مصر نفسها التي أعلن منها نبأ اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس..
فنحن اليوم أمام قيادة مصرية جديدة تسعى لإعادة مصر إلى مكانتها المرموقة وإلى عمقها العربي والإسلامي، بعد أن عاشت عقوداً من الزمن في خصام مع الجيران وتوتر في العلاقات الخارجية مع بعض الدول، فهي لفتة تُحسب للقيادة المصرية الجديدة التي حققت انجازا كبيرا لم يتوقعه الكثيرون وطوت صفحة الانقسام.
إذن بدأت عجلة المصالحة الفلسطينية تدور إلى الأمام وبخطوات حثيثة، مصالحة لن تكون كسابقتها على ما أظن، فاليوم المتغيرات التي تشهدها المنطقة لها انعكاساتها وتأثيراتها المباشرة التي تتعلق بالقضية الفلسطينية ومستقبلها، فالكل يضغط من أجل إنقاذ القضية الفلسطينية من الضياع التام بعد أن سقطت الأوراق من يد المفاوض الفلسطيني هذا إن كانت لديه أوراق أصلا، حيث أدرك المفاوض الفلسطيني أخيرا أن حكومة الاحتلال لا تريد سلاما، بل تريد دماءً واستيطانا...
وبعد إعلان توقيع الاتفاق بين حركتي فتح وحماس سرعان ما عقب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو على هذا الاتفاق بقوله "على عباس الاختيار بين الاتفاق مع حماس أو إسرائيل"، ليرد عليه الرئيس بذات القول ويخيره بين السلام والاستيطان، في ظل تيقنه بفشل هذا النهج مع المحتل، الذي طالما عوّل عليه المفاوض الفلسطيني لاستعادة شبر من الأرض المغتصبة أو انسحاب من مدينة هنا وهناك أو حتى اعتراف بحقنا في الوجود، وبعد أن تيقن إخوتنا في حركة فتح وفي قيادة السلطة أن الرهان على المحتل وحلفائه رهان خاسر، لاسيما الحليف الأقوى المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية التي تنحاز انحيازا كاملا له، أصبح لزاما عليهم أن يعودوا إلى اللحمة ولحضن شعبهم ..
وبعد ما ذكرناه آنفا تخرج أصوات من هنا وهناك تلوح بعقوبات وأخرى تهدد بقطع المساعدات، فقد لوّحت دولة الاحتلال بسلسلة من الإجراءات العقابية ضد السلطة الفلسطينية كرد على اتفاق المصالحة الفلسطينية، فمنذ قرابة ثلاثة أسابيع، بالتحديد منذ أن أعلن الرئيس محمود عباس نيته زيارة غزة للبدء في حوار جدّي لتحقيق المصالحة، سرعان ما باشر الاحتلال قصفه لقطاع غزة وسفك الدماء، للحيلولة دون الوصول إلى اتفاق يعتبره الاحتلال خطرا عليه ووفقا لصحيفة هآرتس الإسرائيلية فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد هددت في أول رد فعل لها بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية ،،،
إذاً نحن أمام تحديات قادمة، علينا أن نعي جيدا كيف ندير سياستنا حتى لا نقع في الأخطاء كما في السابق آخذين في الاعتبار التصريحات التي تصدر هنا وهناك لا سيما التي تصدرها الصحافة الصهيونية والتي آخرها ما نقلته عن خبراء إسرائيليين قولهم أن الفجوة بين حركتي حماس وفتح كبيرة ولن يتم اكتمال المصالحة بين الطرفين، فهل سنكذب هؤلاء أم سيكون الصدق حليف توقعاتهم؟؟هذا ما ستثبته الأيام!!!