الرسالة نت - أمل حبيب
جسده النحيل احتل احدى زوايا المنزل منذ ما يقارب العقدين من الزمان... أطرافه "المتخشبة" مستلقية على فراش المرض... يسترق النظرات على الحاضرين دون تركيز.. وتكشفت معالم الاعاقة عن جسد الأربعيني محمد أكثر بعدما سال لعابه من فمه لتتلقاه منشفة صغيرة علقت على ملابسه كالرضيع الذي ينتظر بروز أسنانه.
يقطن محمد في بيت شقيقته التي احتضنته صغيرا فلم يبق له في الدنيا سواها بعدما توفي والده ووالدته صغيرا .
فجعت أم محمد بشلل طفلها الوحيد ولم تلبث طويلا بعدما رأت فلذة كبدها يعاني ففارقت الحياة, أما والده فلحق بها بعد عقد من الزمان ليتركوه وحيدا .ويعاني محمد من الشلل الرباعي منذ كان طفلا لا يتجاوز الخامسة بعدما أصيب بالحمى الشوكية.
عادت أم عبد الله - شقيقته - لتحتضن محمد ولكن هذه المرة في بيتها مع أطفالها السبعة ,ترعاه كالأم الحنون ولم تشتك يوما من سوء الحال, ومن شدة حبها لأخيها أسمت أحد أبنائها على اسمه وتقول :" 18 سنة الو عندي ..عشرة عمر " .ويحتاج محمد الى عناية خاصة وطعام صحي لأنه يعاني من قرحة في المعدة , وتحلم شقيقته أم عبد الله بأن يصبح لمحمد سرير مزدوج بفرشة طبية لكي يتسنى لجسده المعاق أن يتقلب براحة .
أصبح العمود الفقري لمحمد مقوسا بسبب الشلل الكامل ونومه المستمر على فراش غير مريح لمدة 37 عاما , وبين الحين والآخر يصدر محمد أصواتا غريبة تارة بأسنانه وتارة أخرى بصراخ مفاجئ .
وتعود أم عبد الله بشريط ذكرياتها إلى قرابة ثلاثة عقود من الزمان حينما كانت تلهو مع محمد وتقول :" كنا نلعب سويا وذات مرة لسعني بملعقة ساخنة (...) مازال اثر الحرق على يدي حتى اليوم" وتتابع ودموعها تأبى أن تسقط لتحافظ على بقايا كبريائها :" حبيبي يخو ..كان نشيط ويحب اللعب بالطائرات الورقية ".
بين الحين والآخر ينظر محمد إلى شقيقته ويبتسم وكأنه يذكرها بأن الله مع الصابرين وأنه سيوفيهم أجورهم بغير حساب .تعاني أم عبد الله من الغضروف وآلام المفاصل بسبب رعايتها لمحمد ولكن لسانها يلهج بحمد الله على كل حال , وهي على قناعة بأن فاعلي الخير جزاؤهم عند الله .
وتتراكم المصاريف والديون على زوج أم عبد الله فراتبه بالكاد يكفي لسد رمق أفراد أسرته التسعة
ويحتاج محمد الى مصروف خاص لشراء مستلزماته الخاصة من حفاظات وغذاء وعلاجات ويفضل محمد الحلويات وتقول شقيقته بأن الابتسامة تشق طريقها على وجه محمد الشاحب عندما يتذوق طعم حلو.
لا تشعر أم عبد الله بأي عبء أو ضيق من رعايتها لمحمد, ولكنها تتألم عندما يشكو شقيقها أو يعاني من نوبات صراخ أو يبكي ولا تفهم عليه ماذا يريد, فتجلس بقربه تهون عليه وتردد:" حبيبي يخو مالك؟" ولكن محمد يظل عاجزا عن بوح آلامه وأوجاعه حتى لشقيقته الوحيدة .
كلمة طيبة أو لمسة حنان لإنسان محتاج أو معاق تعتبر أبسط الأمور التي ترسم البسمة على وجوه ذوي الاحتياجات الخاصة وذويهم .