كثيرون هم الذين أفزعتهم المصالحة، وفاجأتهم، ومن هؤلاء اليهودي "شمعون بيرس" رئيس دولة الصهاينة؛ الذي انفعل، وتوتر، وخرج عن المألوف السياسي، إلى درجة السخرية من الانتخابات الديمقراطية، حين توقع فوز حركة حماس بعد عام، بالتالي فهو ضد الديمقراطية التي ستفوز فيها الأحزاب الدينية في بلاد العرب، وضرب مثلاً بنتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في يناير 2006، حين حرض الصهاينة على إفشال نتائجها، تماماً مثلما عمدوا إلى إفشال نتائج الانتخابات الديمقراطية التي أوصلت "هايدر" زعيم حزب التحالف من أجل النمسا، بل عمد الموساد إلى تصفية الرجل سنة 2008، وفق ما ذكرت مصادر غربية.
لقد وقف اليهود ضد الديمقراطية التي لم ترض أهواءهم، ولا تنسجم مع أطماعهم العنصرية، في الوقت الذي يبارك فيه العالم ديمقراطية اليهود التي جلبت أقطاب التطرف الصهيوني أمثال "ليبرمان" ونتنياهو، إلى مقاعد الكنيست، وجلبت أقطاب التطرف الديني أمثال أنصار الحاخام "عوباديا يوسف" وأقعدتهم على رأس القرار السياسي.
ليغضب بيرس كما يحلو له، فقد لعق الفلسطينيون مرارة الانقسام، وأدركوا أنه منتج صهيوني، تم ترويجه عن طريق المال، وقام بتسويقه نظام حسني مبارك، الذي غطى على عورة الصهاينة، حتى بات من المستحيل تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وأن موعد شهر أيلول لهذا العام ليس إلا وهماً، لن يثمر دولة كما يدعي شمعون بيرس، ولن يوقف التوسع الاستيطاني، ولن يحقق السلام.
لقد أفزعت المصالحة قادة الصهاينة على اختلاف مشاربهم الحزبية، لأنهم بنو استراتيجيتهم على دوام الانقسام، فجاءت المصالحة لتنبئ عن انزياح السيد عباس إلى خندق المصلحة الفلسطينية، ولاسيما بعد اكتشافه مهزلة تواصل الصمت على الاتفاقيات التي سمنت المستوطنات، وأفقرت القضية الفلسطينية من عمقها العربي، وبعد اكتشافه أن الزمن الذي عبر بلا مقاومة اضر بالوطن، وبعد اكتشافه أن العالم يتغير، وأن المنطقة العربية قد تغيرت، ولن تقبل بخط التفاوض العبثي، وبعد اكتشافه أن قذائف المقاومة التي وصفها يوماً ما بالعبثية، قد صمدت في الميدان، وفرضت نفسها نداً على إسرائيل؛ التي أمست عاجزة عن المواجهة، والحسم العسكري التي تعودت عليه بلا تعب.
إن الذي أفزع الصهاينة هو تأكدهم من نجاح المصالحة، وفشل المشككين، وأن ما سيلي المصالحة هو فرض الإرادة الفلسطينية على المجتمع الدولي، الذي سيجد نفسه مجبراً على التعامل مع شعب واحد، له حقوقه التاريخية، ولا مجال للضغط عليه للاعتراف بشروط الرباعية التي سقطت وإلى الأبد، بعد أن ارتقت ردحاً من الزمن، وصارت من المقدسات، حتى غدت شرطاً فلسطينياً للمصالحة بين الأخوة.
لم تنتصر حركة فتح مع المصالحة، ولم تنتصر حركة حماس، الذي انتصر هو الخط الفلسطيني المعادي لشمعون بيرس، والصهاينة، والذي انتصر هم العرب، وقد اطمئنوا لراية الكرامة في يد مصر، والذي انتصر هو الحق الذي كان غائباً مع حضور الانقسام.