مصطفى الصواف
جميل أن تختار أنت كيف تموت، لا أن يجبرك احد على طريقة الموت، وفرق كبير بين من يختار طريقة موته وبين أن يختار لك العدو بأي وسيلة تموت، وهذا هو الفرق بين من يختار طريق الشهادة والتضحية، طريق الحرية والخلاص، طريق الكرامة، وبين أن تترك مصيرك لعدوك يقتلك في اليوم ألف مرة قبل أن يقتلك القتلة الأخيرة، أو يتركك بعد أن يستنفذ منك ما يريد ويتركك لمن يريد قتلك انتقاما أو تشفيا، أو تموت قهرا وحسرة وندامة.
ياسر عرفات، رفض أن يموت بالطريقة التي أرادها له بيل كلنتون وايهود باراك عندما حاولا إجباره على التوقيع في كامب ديفيد، وقال كلمته المشهورة إذا اردتم أن تمشوا في جنازتي غدا سأوقع على الاتفاق، وآثر الموت في حضن الشعب الفلسطيني، فكان اختيارا موفقا ختم به حياته ومشواره الطويل، ولازال يحسب له من قبل أعدائه قبل أصدقائه.
وهنا نطرح السؤال، هل بالفعل اختار محمود عباس الموت في حضن حماس بدلا من الموت في حضن الاحتلال الإسرائيلي، من خلال التوجه نحو إحقاق المصالحة الفلسطينية وإسقاط كل الرهانات السياسية السابقة التي أفشلت الوفاق الوطني وأوصلت القضية الفلسطينية إلى أسوأ مراحلها.
إذا اختار عباس هذه الطريق أعتقد انه اختيار موفق سيحسب له، وأنا هنا لا اعني حضن حماس لوحدها ولكن اعني حضن الشعب الفلسطيني الذي تشغل حماس منه مساحة كبيرة، اختيار الوحدة والمصالحة هو اختيار كنا ننتظره منذ زمن طويل.
قد يكون التوقيع على المصالحة في احتفالية القاهرة هو الخطوة الأولى نحو تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام، ولكن كما يقولون الشيطان يكمن في التفاصيل، وقد نجد وفاق واختلاف في كثير من القضايا، ولكن في نفس الوقت يجب أن نمضي نحو تحقيق المصالحة كطريق نحو إنهاء الاحتلال وبداية التحرير الذي لن يتم في ظل حالة الانقسام والتفتت واختلاف في الهدف وغياب استراتيجيات.
الاتفاق يعتمد في الأساس على صدق النوايا وقوة الإرادة وعدم الالتفات إلى أصحاب الأجندة الخاصة او المصالح المتضررة، يجب أن لا نعير اهتماما للتهديدات الإسرائيلية لأنها ليست جديدة وهي مستمرة بمصالح او انقسام، ولكن المصالحة تشكل ضربة قاسية للاحتلال لو كان العزم فيها قائم على المصلحة الوطنية العليا.
الموت في حضن حماس يعني الكرامة، يعني الحياة بشرف، يعني العودة الى الشعب الفلسطيني، الموت في حضن حماس هو الاختيار الصحيح لما تبقى من حياة السيد محمود عباس.
التحديات كبيرة يجب أن تكون أمامها إرادة أكبر، والوصول إلى الوحدة ليس مستحيلا وإن كان صعبا، وحسن النوايا سيجعل الأمر أكثر سهولة، نحن من يملك الضمانات لنجاح هذه المصالحة وباقي الجهات هي مساعدة مصرية كانت أو عربية.