قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: في ذكرى النكبة..."العودة واجب كما هي حق"

 يعيش الشعب الفلسطيني في هذه الأيام ذكرى نكبته الثالثة والستين، يتجرع مرارتها يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام، يكابد الأمرين في مخيمات اللجوء والشتات والحرمان، يكتوي بلهيب بعده عن تراب وطنه ويحرقه منعه من لقاء أهله، يبكي دماً وهو يرى عدوه ينعم بخيرات فلسطين ويتمتع بثمارها، يتألم ويئن وهو يعاين كياناً غاصباً يجثم فوق أرضه ويحتل وطنه. كيانٌ أنشء ليكون دولة لقوم لم يشكلوا يوماً شعباً له شخصية واضحة أو هوية محددة، قومٌ سموا أنفسهم زوراً وبهتاناً "بالشعب اليهودي" وأنشئوا وطناً قومياً في فلسطين، واستقدموا له الملايين، غير أن قادتهم المتعاقبين علموا أن وطنهم لن يستقر وأهدافهم لن تكتمل، إلا إذا نجحوا في شطب حق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم، وتمكنوا من تصفية مطالبتهم الدائمة باسترداد حقهم المغتصب، فأصدروا القوانين والتشريعات التي تحول دون هذه العودة، وعممت وزارة خارجيتهم في الآونة الأخيرة على كل ممثلياتها في الخارج بضرورة عدم استعمال مصطلح حق العودة، بحجة أنه لا يوجد في القانون الدولي نص أو مستند اسمه حق العودة، وأمرتها باستخدام مصطلح "الرغبة" في العودة بدلاً من "حق" العودة،‏ كي لا تؤثر عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم على التركيبة السكانية في "إسرائيل" وعلى الطابع "اليهودي لدولتهم".

فالصهاينة يعلمون أن تعميم واستخدام مصطلح "الرغبة" بدل "الحق"، سيمكنهم في النهاية من شطبه واعتباره مجرد رغبة قابلة أو غير قابلة للتحقق، وعملوا بكل جهد من أجل إزاحة الأساس القانوني لهذا الحق من أجندة الأمم المتحدة والمحافل الدولية المختلفة، مع علمهم أن تلك المحافل لم تتعامل مع الفلسطينيين كشعب له كيانه وتاريخه وحضارته، إنما تعاملت معهم كلاجئين لا غير، بينما تعاملت  مع "إسرائيل" كدولة لها كيان، ومع شعبها على أن له حقوقه وهويته الواضحة.

ووسط هذا التنكر من قبل" إسرائيل"، ورفضها قبول فكرة أن هناك شعب فلسطيني هجر وشرد في أصقاع الأرض، وإصرارها على منعه من تحقيق شعاره الذي رفعه طوال عمر نكبته وتهجيره "العودة حق كالشمس"، ومحاولتها تحويله ليكون رغبة بدل حق، فإنه يبرز أمانا سؤال كبير، يستلزم منا الوقوف عنده والإجابة عليه وهو: هل العودة حق لنا فقط؟ أم أنها واجبة علينا أيضاً؟.

ولكي نناقش الشعار ونجيب على السؤال، لا بد من التأكيد أولاً وأخيراً على أن قضية فلسطين في حقيقتها، هي قضية صراع مرير وطويل على الأرض المباركة بيننا وبين الصهاينة، صراع تخلله جهاد وكفاح وصبر وثبات وتضحيات جسيمة، من شهداء وجرحى وأسري وأيتام وأرامل ومشردين ولاجئين وقرى مدمرة وبيوت مهدمة ومجازر متتالية ووطن مغتَصب، ما يجعل من الصعب التفريط بكل ذلك وإدارة الظهر له، أو التنكب لمن قدم وجاد من هذا الشعب في سبيل قضيته ووطنه، لذا نرى أن العودة وبالإضافة إلى أنها حق للشعب الفلسطيني، فإنها أيضاً واجبةٌ عليه، وذلك للأسباب التالية:

1- أن هناك خشية من إمكانية المقايضة على هذا الحق، أما الواجب فلا مقايضة عليه.

2- إن اعتبار العودة واجب إلى جانب كونها حق، سيحول دون ذوبان الملايين من اللاجئين في البلدان التي يتواجدون فيها، سواء من خلال التوطين ومنحهم الجنسية، أو بسبب طول مدة غيابهم عن وطنهم وضعف إمكانياتهم وقلة حيلتهم. فإذا ما اعتبرنا العودة على أنها حق فقط، فقد تدفع كل هذه المعوقات عدداً من اللاجئين إلى التنازل عن هذا الحق وعدم العودة، أما إذا اعتبرناه واجباً فإن هذا سيلزمهم بالسعي الحثيث لتحقيقه والوفاء به.  

 

3- إن شعور الكثير من العرب والمسلمين، بأن من واجبهم المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أوطانهم، ويسعون لذلك من خلال القيام بنشاطات وفعاليات تعبر عن هذا الشعور، كصلاة الفجر المليونية وجمعة النفير وأحد الزحف، فالأولى أن يقع هذا الواجب على الفلسطينيين أنفسهم، وهم الذين هُجروا وعُذبوا وعانوا.

4- لأن الحق يُعطي صاحبه إمكانية التنازل عنه إذا ما رغب في ذلك، أما الواجب فلا يملك صاحبه التنصل من إنفاذه في واقع حياته متى تمكن من ذلك، بل ويورثه لمن بعده إذا ما عجز عن أدائه.

5- إن اعتبار العودة واجبة على المهجرين من أبناء الشعب الفلسطيني إضافة لكونها حق لهم، سيبقي "إسرائيل" في حالة خوف وتوجس وقلق دائم، وخاصة أن "إسرائيل" تعد الدولة الوحيدة في العالم التي تعيش هاجس الزوال والاندثار، وستبقى كذلك ما دام واجب العودة قائماً في نفوس الفلسطينيين.

6- بما أن "إسرائيل" وحتى يومنا هذا، ما زالت تُمارس التضييق على من بقي من الفلسطينيين في أرضهم، وتقوم بأبشع الأفعال وأكثرها تهميشا وأشدها عنجهيةً ضدهم، كي تجبرهم على الهجرة وترك وطنهم والتخلي عن واجب بقائهم فيه، وتحظر عليهم إحياء يوم نكبتهم، وفي المقابل تسميه يوم "الاستقلال" وتعتبره يوم عيد وطني، فإن مواجهة التضييق، وإزالة آثار يوم النكبة لن تنتهي إلا إذا كان شعارنا المرفوع هو"إن عودتنا واجبة علينا كما هي حق لنا"، لأن هذا الشعار ينمي فينا الإصرار على الصمود في وطننا ويدفعنا لمزيد من الالتصاق بأرضنا، ويؤدي إلى تعاظم فعلنا الكفاحي والنضالي والجهادي في مواجهة عدونا، ويلزمنا بالعمل ليل نهار من أجل تعويض أنفسنا وبقية شعبنا عن الخسائر التي تكبدناها جراء لجوئنا القسري عن وطننا، شعار يبقينا رأس الحربة في مواجهة كل ما أضر ويضر بقضيتنا الوطنية، ويمكننا من مواجهة المشاريع التي تحاك ضد أرضنا وقيمنا وتراثنا وتاريخنا وديننا، شعار يزرع فينا الإصرار على خوض معركة الوجود والمصير، معركة حاضرنا ومستقبلنا، معركة لا مكان فيها للمهادنة والمصالحة والحلول الوسط.

لذا أجد لزاماً علينا أن نستبدل الشعار الذي يزين قلوبنا ويافطاتنا ومواقعنا وشاشات فضائياتنا(العودة حق) بشعار جديد مفاده (العودة حق وواجب).

 

 

البث المباشر