د. محمد إبراهيم المدهون
وزير الشباب والرياضة والثقافة
ما أجمل النفس وهي في سباقها نحو المعالي، ولا أحسن منها في بلوغ المجد في زمن التواني!!.. لقد خلقنا الله لعمارة الأرض والاستخلاف فيها.. "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، [الذاريات: 56].. وليس ثمة حدود في الكون تقصر عنها قدرات هذه النفس البشرية مهما كانت العوائق، والناظر في تاريخ الإنسان يجد أن البداية واحدة، لكن النهاية مختلفة إلى حد بعيد في حياة الناس. إن النجاح في الحياة همّ يؤرّق الناجحين وحدهم، وشعور يتألق بهم في عالم الحياة؛ فيجعل منهم آخرين على مساحات العمل هذا الكون الفسيح، وصدق الرافعي حين قال: "إذا لم تزد على الدنيا كنت زائدا عليها".
يا شباب فلسطين: لن يتحقق النجاح ما لم نؤمن إيمانا صادقا ويقينيا بأننا أهلٌ للنجاح؛ فإن العامل النفسي مهم للغاية في إقناع نفوسنا بتحقيق معالم نجاحها في الحياة، وما لم نصل إلى أعماق نفوسنا فنثق بها ونهتف بتميزها ونكتب في قرارها أننا من الناجحين فلن نحقق شيئا في مثل هذا العالم الطموح.. وهذه بداية الطريق، ومن لم يحسن البداية فلن تكون له نهاية سعيدة، ومن لم تكن له بداية محرقة لن تكون له نهاية مشرقة، ولذلك قيل: "أضخم المعارك في حياة الإنسان تلك التي يقضيها الإنسان مع نفسه"، وعندما تبدأ معركة المرء بينه وبين نفسه فهو عندئذ شخص يستحق الذكر.
يا شباب فلسطين: لقد خرج رسولكم -صلى الله عليه وسلم- إلى عالم يتعلق بالشجر ويسجد للحجر، ويؤلّه التمر واللبن، فوقف على الصفا وأعلن الرحلة من هناك، وواجه بمفرده جيوش الباطل وظل يناضل من أجل رسالته، ويجاهد لتحقيق أهدافه، ولم يهتف به الموت حتى قلب موازين التاريخ وغيّر معالم القيم في حياة تلك المجتمعات التي خاض التجربة فيهم، وأعاد أولئك الأفراد من تيه الطريق.. وفي ثنايا الطريق دُميت عقباه، وكُسرت رباعيته، وثُلم وجهه، ووضع سلى الجزور على ظهره.. فإنما تضعف الهمم حين لا تقوى على تجاوز الصعاب.
يا شباب فلسطين: يظل النجاح حليف من أقنع نفسه بحياة الناجحين واللحاق بهم، وليس أوضح على ذلك من ابن الأثير؛ فقد كتب كتابه "جامع الأصول" وهو مقعد، ودوّن ابن القيم كتابه "زاد المعاد" وهو في طريق السفر، وهتفت بابن الجوزي حتى طالع عشرين ألف مجلد، والشيخ الياسين أحيا أمة وهو القعيد، وإبراهام لنولكن صارع الحياة وركل كل المعوّقات حتى وصل. وأديسون ظل يعارك الحياة بمفرده وبعد 999 محاولة في موضوع الكهرباء أضاء الدنيا بأسرها، وكتب يقول عن العبقرية أنها (1%) إلهام، و(99%) عرق جبين. وهكذا يظل النجاح أمنية مستعصية في بدايتها لكنها سرعان ما تلين لأصحاب الهمم وتذعن لهم من جديد.
يا شباب فلسطين: يقول لكم الراشد: "كن حمّالاً في السوق لكن قرّر مع أول خطوة لك فيه أن تصير تاجرا أو عقاريا أو مدير شركة فستصل بإذن الله.. المهم تصميمك"، وقال: "وفي هذا المنعطف يجفل الراهب فيدعي عجزا، ويقول تريد مني أن أكون فقيها وليس جدي مالكا ولا الشافعي، وتطلبون أن أتغنى بالشعر وما ولدني المتنبي ولا البحتري، وتتمنون أن ألوك الفلسفة وليس جاري سقراط.. فمن أين يأتي لي النجاح؟". فنقول: نعم نريد ونطلب ونتمنى، ونظن ونجزم، ولا وجه لاستضعافك نفسك، وقد أعطاك الله ذكاء ونسبا، فلم لا تتعلّم السهر وتطلب الفصاحة.. روي أن عيسى -عليه السلام- قال: "ماذا يكسب الإنسان إذا فاز بكل شيء وخسر نفسه". ولئن اختلف الأطباء في كيفية ثبوت موت الإنسان طبيا، لكن وبكل الأحوال احذر أن تموت وأنت على قيد الحياة بأن تفقد مصدر الطاقة في رحلة حياتك. ورحم الله إقبال وهو يناديك أنت: "يا رجل البادية! ويا سيد الصحراء، ويا شاب المرحلة: عُد إلى قوتك وعزتك، وامتلك ناصية الأيام وخذ بعنان التاريخ، وقد قافلة البشرية إلى الغاية العظمى".