مؤمن بسيسو
أسهب كثير من القادة والمفكرين المعاصرين في الحديث عن ضعف حساسية النفس المؤمنة في الزمن الحاضر قياسا بالرعيل الأول في صدر الإسلام من جيل الصحابة الأبرار والسلف الصالح، فقد جسد هؤلاء وأولئك في شخوصهم قمة معاني الإيمان والقدوة، وذروة قيم العدل والإحسان، فيما انسلخت الأجيال الحاضرة عن عديد من هذه المعاني العميقة والمبادئ الرفيعة التي تضبط إيقاع حركة الناس والمجتمع في اتجاه تحقيق أهدافنا النبيلة وغاياتنا السامية.
لسنا في معرض البحث في ثنايا الأسباب وجوهرها والتي كرست هذه الظاهرة السلبية، لكننا اليوم ندق ناقوس الخطر إزاء ضعف حساسية النفوس وإزاء ثنائية "العدل والظلم"، وما يحمله ذلك من آثار شديدة العمق والتعقيد، ونتائج بالغة السلبية على الناس والمجتمع.
الظلم هو الظلم تحت أي شكل أو صورة كان، وكل ما يجافي العدل فهو ظلم، والظلم ظلم مهما كانت طبيعته أو درجته، ومهما حاول البعض إلباسه لَبوسا آخر، أو تبريره بمختلف الحجج أو المعاذير الجاهزة.
لقد تفشى الظلم في المجتمع بوتائر مختلفة على مدار المرحلة الماضية، ففي كل مكان تجد مظْلمة وتكتشف "إشكالية"؛ بما يدلل على ضعف فعالية العامل التربوي في المجتمع، وضرورة بلورة خطط تربوية وسياسية وإدارية لمواجهته، وللحد من آثاره الضارة على سيرورة الحياة ودورة المجتمع.
ليس أشد على نفس المرء من الظلم، ولو لم يكن للظلم عواقب مريرة ونتائج وخيمة لما حذر منه الله -تعالى- ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ولما شدد من مغبة السقوط في مهاويه وحبائله المختلفة.
لو تفكر كل منا في سلوكه وأعماله واستوقف نفسه وقفة صادقة تحق الحق وتبطل الباطل، واستشعر دقة الأمانة وحساسية المسؤولية وخطورة مقارفة الظلم تحت أي مسمى كان، فإن سلوكه سيغدو أكثر استقامة والتزاما، وقراراته ستصبح أكثر نضوجا بما يتوافق مع الشرع والقانون.
أحيانا تفصل شعرة أو خيط رفيع بين الظلم والعدل، وأحيانا أخرى يلعب ما يسمى "الاجتهاد" دورا في مواقعة الظلم لحجة المصلحة أو الظروف، وما لم ينضبط الاجتهاد أو الموقف إلى محددات واضحة ويفيء إلى مرجعيات الشرع والقانون، فإن "الحابل سيختلط بالنابل"، والخطأ سيختلط بالصواب، وسيضل القرار –حتما- طريق الرشاد في معظم الأحيان.
دعوة لنا جميعا بأن نعيد حساباتنا مع أنفسنا، وأن نتفحص مواقع الزلل من أقدامنا، وأن نعمد إلى غربلة نفوسنا من جديد؛ كي تغدو أكثر تفاعلا واستجابة وحساسية لقيم ومعاني العدالة والتقوى، بما يحجزها عن مصارع الخطأ والانزلاق إلى نحو ظلم الآخرين.. فلنتقّ الظلم، فإن الظلم ظلمات في الدنيا والآخرة.