فايز أيوب الشيخ
مع بداية كل شهر، يخرج "سلام فياض" للحديث عن صعوبات وأزمة مالية تواجهها السلطة، وبالتالي فإنه بذلك ينذر "موظفي السلطة" بأزمة رواتب جديدة، مما ينتقده النقابيون ويفسره الساسة والمراقبون على أنه "ابتزاز سياسي يهدف إلى عرقلة المصالحة التي وقعتها الفصائل مطلع مايو الماضي".
وكان "فياض" صرح –الثلاثاء الماضي- بأن "المشكلة المالية ما زالت قائمة" رغم إشارته إلى جهود السلطة لتفادي الأزمة، وخاصة في ضوء حجز "إسرائيل" أموال الضرائب الفلسطينية، مكرراً حديثه أنه "تم حل الموضوع، ولكن المشكلة المالية ما زالت قائمة..!؟".
يذكر أن مجلس جامعة الدول العربية أقر الطلب الفلسطيني بتجديد دعم موازنة السلطة الفلسطينية لفترة جديدة بدءاً من أول نيسان/ أبريل الماضي وفق الآلية التي أقرتها قمة بيروت العربية عام 2002.
أزمة غير مبررة
واعتبر بسام زكارنة رئيس نقابة الموظفين العموميين في الضفة الغربية، أن التصريحات الصادرة عن السلطة وحكومة فياض عن أزمة مالية في هذا الوقت "غير مبررة وغير مقنعة بالتأكيد"، مشيراً إلى عدم وجود بوادر أزمة مالية في ظل وحدة الشعب الفلسطيني وفي ظل استعداد دولاً أوروبية وعربية لدعم الشعب الفلسطيني.
وعلى فرض صحة ما يطرحه فياض –في كل مرة -حول الأزمة المالية بأنها تحول دون دفع الرواتب للموظفين، رغم أن زكارنة استبعدها إلا أنه اعتبرها "مؤشراً خطيراً على أن حكومة فياض لم تضع خطة بديلة لمواجهة أي صعوبات مالية مستقبلية"، مؤكداً أن هذا يدلل على "ضعف في أداء حكومة فياض طوال الفترة السابقة".
ولفت زكارنة لـ"الرسالة نت" الى أن -تصريحات فياض- تتنافي مع ما أعلنه في السابق عن جاهزية لإقامة الدولة العتيدة واعتماد الشعب الفلسطيني على ذاته، مشدداً "الأصل أن يكون هناك جهود حكومية مسبقة لوضع الخطط المعالِجة لأي أزمة مالية أو اقتصادية متوقعة".
وأوضح أنه في ظل الممارسات والضغوط الإسرائيلية التي تحاول وقف العائدات الضريبية للشعب الفلسطيني فإن هناك دولاً عدة مارست ضغوطا على "إسرائيل" منعتها من سياسة وقف العائدات الضريبية عن السلطة، محدداً أن أكثر من دولة سواء في الاتحاد الأوروبي أو الدول العربية مثل "الجزائر وقطر والبحرين أعلنت جاهزيتها لتغطية أي عجز مالي للسلطة".
وفي ذات السياق، طالب زكارنة بمضاعفة الجهود الحكومية لمعالجة الأزمات الطارئة بما في ذلك وضع احتياطي لأي أزمة مالية في المستقبل، داعياً حركتي "حماس وفتح" للإسراع في تشكيل حكومة الوفاق الوطني والاتفاق على برنامج لا يخلو من المعايير المهنية والوطنية دون النظر إلى الانتماءات الحزبية وخاصة في تكليف الوزراء .
وشدد زكارنة على وجوب سرعة اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة ملفات الفساد ووقف الوزراء المتهمين فيها أو الاتجاه إلى تعديل حكومي سريع.
الرواتب في مواعيدها
من ناحيته أوضح غسان الخطيب المتحدث الرسمي باسم "حكومة فياض"، أن حديث الأخير عن أن الأزمة المالية للسلطة مازالت قائمة "لا يعني بالضرورة أن هناك أزمة رواتب في يونيو الجاري"، مؤكداً لـ"الرسالة نت" أن "الرواتب ستكون في حينها وفي مواعيدها الروتينية مالم يُعلن عكس ذلك" .
وقال الخطيب" القاعدة بأن الرواتب في مواعيدها الروتينية مالم يُعلن غير ذلك، ونحن لنا حوالي ثلاثة أعوام ندفع الرواتب بانتظام في وقتها باستثناء الشهر الماضي، حيث أعُلن عن ذلك في حينه".
وفي رده على أن أزمة رواتب موظفي السلطة "مفتعلة" -حسب النقابة العمومية والكثير من الساسة والمراقبين - فقد اعتبر الخطيب أن ذلك "غير صحيح وضار وهو يساعد في إعفاء (إسرائيل) وتبرئتها من مسئوليتها في إحداث الأزمة المالية".
وأضاف الخطيب حول الأزمة المالية الأخيرة تحديداً "إن الموضوع انتهى ومررنا عنه، والحقيقة أن الأزمة لم تكن مفتعلة لأنه معروف أن ثلثي فاتورة الرواتب من عائدات الضرائب التي تجمعها إسرائيل"، على حد زعمه.
وأشار إلى أنه عندما يكون لدى السلطة وحكومة فياض صعوبة في تحصيل ما يوازي رسوم فاتورة الرواتب قبل بضعة أيام من موعد دفع الرواتب فمن الطبيعي أن يكون هناك صعوبة في تسديد الرواتب.
يذكر أن الخطيب رفض التعليق على ماذكره زكارنة من وجوب سرعة انجاز ملفات الفساد ومحاسبة الوزراء الحاليين المتهمين فيها قبل إعطائهم الفرصة والوقت الكافيين في هدر المال العام.
الإرادات السياسية
من جهة تحليلية رأي الخبير الاقتصادي والمالي د.عادل سمارة، أن الأزمة المالية سوف تتكرر طالما أنها محكومة بالإرادة الأمريكية والإسرائيلية، مفترضاً أنه إذا تم تعيين فياض رئيساً للحكومة المقبلة -حسب رغبة أمريكا والغرب- فإنه لن يكون هناك أزمة مالية ولا أزمة رواتب.
واعتبر سمارة في حديثه لـ"الرسالة نت" أن المسألة "ليست مالية بقدر ما أنها سياسية"، لافتاً الى أن فياض كان صادقاً وواضحاً في مساومته حول الأزمة المالية "إما أن يكون رئيساً للوزراء أو لن يكون هناك تمويل للسلطة ".
ويراهن مريدو فياض على توليه رئيساً للحكومة المقبلة باعتباره شخصية مقبولة لدى "إسرائيل" والغرب، أما معارضوه فيقولون إنه ليس قدراً على الفلسطينيين، وخاصة أن " غالبية لا تريد فياض رئيساً للحكومة المقبلة".
وتعرض سمارة إلى عقبة قيام الكيان الصهيوني بحجز المقتطعات الضريبية للسلطة فقال" هذه المشكلة ليست بين السلطة والكيان الصهيوني، بل يجب أن تكون بين الكيان والدول التي ترعاه مثل أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي ودول الرباعية التي عليها التزام تجاه السلطة ".
أما التعهدات العربية المالية للسلطة، فقد اعتبر سمارة أنها قضية تحتاج إلى درجة معينة من الصدق والجرأة، حيث أن المفترض أصلاً أن تدفع المساعدات للفلسطينيين هي الدول العربية، مشيراً إلى أن الأنظمة العربية -حتى الآن- ليست مستعدة لتحمل جزء من المسئولية القليلة من أصل ميزانياتها الضخمة.
واستدرك سمارة قائلاً" في حالة واحدة خطيرة يمكن أن تتعهد الأنظمة العربية بمساعدة الفلسطينيين وتدفع الثمن في مقابل دمجهم في المبادرة العربية التي تعني إسقاط حق العودة ".
وتوافق سمارة مع ما ذكره زكارنة حول سرعة محاسبة وزراء حكومة فياض المتهمين بهدرهم للمال العام، ولكنه تساءل "لماذا سكت زكارنة طوال السنوات الماضية التي كان فيها فياض يدير الدفة المالية ..؟. وزاد "أليست مماحكة سياسية إبراز ملفات الفساد عند الغضب وعدم إبرازها عند الارتياح في أوقات أخرى..؟".
تجدر الإشارة، إلى أنه كلما سار قطار المصالحة الوطنية بالفلسطينيين إلى حيث الوحدة والأمان، كلما وُضعت العراقيل أمامه من أطراف عديدة أبرزها "إسرائيل وأمريكا والأوربيين" الذين عبروا عن رفضهم للمصالحة بين حركتي حماس وفتح.