إذا صح ما تناقلته وكالات الأنباء عن قبول السيد عباس بالمبادرة الفرنسية، فمعنى ذلك أنه يجسد الهزيمة في ذكرى النكسة، هزيمة سياسية فلسطينية مدوية الارتطام أمام صلف نتانياهو، وتصلب المتطرفين، وصعود نجم المستوطنين على درجات الانتصار، وفرض الأمر الواقع، واستساغته فلسطينياً، وقبوله عربياً، وتسويقه إسلامياً، وتشريعه دولياً.
وكي لا يكون في الحديث تجنٍ على السيد عباس، وعلى مأساة السياسة الفلسطينية، سأوضح الأسباب التي جعلت من قبول المبادرة الفرنسية هزيمة سياسية نكراء:
أولاً: المبادرة الفرنسية أهملت قضية اللاجئين الفلسطينيين، وأجلتها مع قضية القدس، وركزت على موضوعي الأمن والحدود، ومعنى ذلك، أننا أمام اتفاق أوسلو جديد يؤجل قضايا الصراع المركزية، ويتحايل على الزمن لتمرير حلول مؤقتة.
ثانياً: تأجيل قضية القدس، وإخراجها من المبادرة يعني إقراراً فلسطينياً بأن اسمها سيكون "أورشليم" العاصمة الأبدية الموحدة لدولة اليهود، ولاسيما أن المبادرة الفرنسية لم تشر إلى القدس كعاصمة لدولتين من قريب أو بعيد، وهذا تطور جديد.
ثالثاً: المبادرة الفرنسية تشير إلى قيام دولتين لشعبين، والمقصود هنا، الخضوع لشروط نتانياهو، حين قال: سنعترف بدولة للشعب الفلسطيني، إذا اعترف الفلسطينيون بدولة للشعب اليهودي!، فهل انزلقت السياسة الفلسطينية إلى هذا الدرك الأسفل من التنازل.
رابعاً: تتحدث المبادرة الفرنسية عن حدود 67 مع تبادل أراضي متفق عليه بين الطرفين، والمقصود هو لب الضفة الغربية، الأرض التي اغتصبتها المستوطنات، ومحيطها الأمني، وطرقها الالتفافية، وفي مقابل ذلك، يتم التخلص من الفلسطينيين المعروفين بعرب 48.
خامساً: تراعي المبادرة الفرنسية الترتيبات الأمنية للدولتين، والمقصود هنا بالتحديد أمن دولة اليهود الصاعدة، وقد حددها نتانياهو، حين اشترط تواجد إسرائيلي في غور الأردن.
إن موافقة السيد عباس على المبادرة الفرنسية يعني الموافقة على استئناف المفاوضات، وتأجيل عرض الاعتراف بالدولة الفلسطينية على الأمم المتحدة، والتخلص من موعد أيلول، مع إفراغ الحالة الفلسطينية من الاحتقان، والترقب.
لقد اختار السيد عباس ذكرى النكسة ليجرع الشعب الفلسطيني كأس الهزيمة، وهو يحشر قضية شعب في ثقب المساومات، وهنا تقع المسئولية على فصائل المقاومة، وعلى الأخوة في حركة فتح، فإلى متى يظل مصير الفلسطينيين مرتبطاً باللقاءات، والمبادرات، والمؤتمرات، وثم، تجميد المفاوضات لعدم التزام الصهاينة بالاتفاقيات.
إن موافقة السيد عباس على المبادرة الفرنسية أفقدت الفلسطينيين ما تبقى لهم من عنصر الزمن، في أدق مراحل التحول في المزاج العربي، وانتفاضته على المذلة، ورفضه للهزيمة، لتقدم القيادة الفلسطينية بيديها الأمن للمستوطنين، وتعطيهم الأمل، والتسهيلات الحياتية المجانية، وتفرش لهم الأرض بورد الاجتماعات، والتنسيق الأمني، كي يبتهجوا بانتصارهم، ويحتفلوا بذكرى تحريرهم أرض إسرائيل من العرب المارقين!.