وسام عفيفة
بينما تشغل حكاية المصالحة بال المواطن الفلسطيني, يحاول الجميع حل "فزورة" الأجهزة الأمنية التي تقول: "أجهزة أمنية, عنوانها فلسطينية, مقسومة بين الضفاوية والغزاوية, هل هي وطنية أم أونطية؟"
خلال جلسة هذيان سياسي على هامش حل الأحجية الأمنية, عادت بنا الذاكرة إلى الفترة الواقعة من العام 1996-2000, أما المكان فهو مقر الأمن الوقائي في تل الهوى, يومها كنا نستقل الباص في صالة التحقيق.
نبشنا مع صديق صحفي- تصادف وجوده معنا في المسلخ –شريط تلك الأيام الصعبة, وتذكر صاحبنا كيف التصقت مؤخرته بكرسي مقاس حضانة, جراء جلوسه عليه لنحو 5 ايام متواصلة, حتى تسلخ جلده من الحرارة, ونزف دما حتى تحول إلى مادة تشبه الغراء اللاصق.
العودة إلى آلام الماضي لا يهدف إلى نكئ الجراح , فقد عفا الله عما سلف, وعلى رأي المثل "ما محبة إلا بعد عداوة" ولكن لنا في ذلك عبرة.
انتقل بنا الحديث إلى مقر الاستخبارات في مبنى السرايا –سابقا- وقد تندرنا على صديق طلب من الجلاد عدم ضربه الفلكة على قدميه لأنه يعاني كسرا قديما, فوجدوا حلا سهلا , يومها أكل فلكه على "أم علي", ودوى صراخه في كل السرايا, لكن ما جبر خاطره أن من ضربه "الفلكة" هو ابن رئيس جهاز الاستخبارات بنفسه, وعليه رد على تندرنا:" الناس مقامات حتى في الضرب".
لازلت اذكر أغاني "زمن الفلكات", كانت أغنية التحقيق تصدح ليل نهار حتى لا ننام ,أغنية مشهورة وقتها تقول: "الليلة ادوب, وارضى بالمكتوب الليلة ديه.. أيوا ايوا..أيوا ايوا"
رضينا بالمكتوب, وتجاوزنا مرحلة قاسية هي امتداد لما وصلنا له اليوم, المهم أن نتعلم ولا نكرر مآسي الماضي, لكي نتذوق طعم المصالحة المجتمعية الحقيقية.
ربما يستدعي الأمر أن نتوافق على ميثاق وطني شعبي يشارك فيه الجميع بما فيهم الجلاد والضحية يمكن أن تكون من بنوده:
- جسد الفلسطيني على الفلسطيني حرام سواء بالفلكات او أشكال الشبح والتعذيب الجسدي والنفسي.
- زجاجات المياه تستخدم للشرب في الفم وليس لأي استخدام آخر يسيء لآدمية الفلسطيني.
- يجب أن تبقى عذابات الضحايا حاضرة في كل اتفاق أو بند حتى تلسع ذاكرتنا, بأن البديل للمصالحة قاس دائما.
- التهديد والتخويف من قبل كل المتنفذين في أي سلطة أو حزب او وزارة لأغراض شخصية مرفوض.
- كلنا أبناء تسعة -أحيانا (سبعة)- وليس هناك ناس خيار وناس فقوس, وان حرية التعبير والنقد مكفولة للجميع ما دام أنها لا تخدم أجندة الاحتلال.
- الأيام دول, الجلاد قد يصبح ضحية, ومن فوق الكرسي قد يجلس على رجل كرسي, ومن يمشي كالطاووس, يمكن ان "ينسخط" دجاجة.
والعاقل هو من يجعل دنياه مطية لآخرته.