مؤمن بسيسو
اعتلى "أبو مازن" شجرة استحقاق سبتمبر كما يسمونه، ولم يكن يتخيل –أدنى تخيل- أن تمسكه بهذا الموقف طيلة الأشهر الماضية، دون رؤية سياسية ثاقبة أو تفكير منهجي عميق، سوف يجلب عليه وبال المواقف الأميركية والأوروبية، ويضع مستقبل ومشروع السلطة برمتها على المحك.
حين يتحرك "أبو مازن" سياسيا فإنه يتحرك من وحي قناعاته وخياراته السياسية التي أصابها العقم الكامل والإفلاس التام، وحين يبادر إلى تفعيل أي موقف أو قرار، فإنه يلتمس ذلك خروجا من ورطاته المتعاقبة وأزماته المتلاحقة.
خيار سبتمبر حول إعلان الدولة ليس خيارا وطنيا بامتياز، بل هو خيار مفلس يحمل انعكاسا لمأزق "أبو مازن" وفشل مشروعه السياسي، ويستجلب من المخاطر والمحاذير ما يلحق الضرر البالغ بشعبنا وقضيته، في ظل ظرف محلي وإقليمي ودولي حساس وغير مواتٍ لخطوة غير مدروسة ومفرغة من جدواها الوطني وقيمتها السياسية بالمنظور الاستراتيجي.
أول الأخطار التي يحملها مشروع سبتمبر أنه يسبغ –حال نجاحه في الأمم المتحدة- صفة الدولة على الحالة الفلسطينية المشوهة الراهنة، ويجعل الصراع بيننا وبين الاحتلال صراعا بين دولتين بالمعنى القانوني وفقا لشرعة ومواثيق الأمم المتحدة.
ما الذي نملكه كفلسطينيين من أسس ومقومات الدولة حتى نحرق المراحل، ونتجاوز البدهيات، ونمارس القفز العبثي في الهواء؟!
نجاح مشروع سبتمبر يحمل في -باطنه- شرا مستطيرا للفلسطينيين وقضيتهم، فهو سيحقق لهم كسبا سياسيا وإعلاميا على كيان الاحتلال على المدى التكتيكي القصير ليس أكثر، لكنه يكرس خسارة سياسية ووطنية كبرى في بعده الاستراتيجي على المدى المتوسط والبعيد.
لم يدرك "أبو مازن" ومستشاروه وأركان قيادته أن (إسرائيل) الآن تستعد لاستشراف مرحلة نموذجية تتخلص فيها من عبء وتبعات احتلالها للأراضي الفلسطينية حال موافقة الأمم المتحدة على مشروع إعلان الدولة المنتظر، وأن يوم إعلان الدولة قد يكون يوما من أسعد أيامها، رغم موقفها الظاهر الذي يبدي تشددا مبالغا فيه في مواجهة الموقف الفلسطيني السلطوي غير المحسوب.
سؤال المستقبل المبهم يشكل خطرا آخر لا يقل أهمية عن سابقه، وينتصب، ليس في وجه "أبو مازن" وسلطته فحسب، بل في وجه الكل الوطني الفلسطيني، فلا "أبو مازن" أو أي فلسطيني يمكنه تصور ما بعد سبتمبر، فلا خطة ولا رؤية ولا موقفا فلسطينيا للتعاطي مع مسألة إعلان الدولة وتبعاتها المستقبلية، أو توقع ماهية رد الفعل الإسرائيلي والأميركي الذي قد تتجاوز عقوباته المفروضة حدود المألوف العام إلى اجتراح مواقف وإجراءات تمس بكيان السلطة ككل، وتعيد احتلال واستباحة الضفة الغربية من جديد، أو غير ذلك، في ظل الارتباك الفلسطيني الحاصل والعجز عن قراءة أبعاد ومستقبل قرار إعلان الدولة في سبتمبر المقبل.
ما الذي سيترتب فعليا على إعلان الدولة في سبتمبر؟! وأين حساب الجدوى الوطنية في ذلك؟! وهل تنقصنا الأسماء والشعارات والألقاب فيما واقعنا المزري تحت الاحتلال كما هو دون أي تغيير؟!
من أسف أن "أبو مازن" يضرب الأولويات والمصالح الوطنية في العمق والصميم، ولا يتورع عن المغامرة والمجازفة بالمصير الفلسطيني، فيما الفصائل تتجادل فيما بينها حتى اللحظة على شخص رئيس الحكومة المرتقبة وهوية وزرائها، وتغفل عن التحديات الخطيرة التي تتربص بواقعنا الفلسطيني نذر الاستهداف، حاليا ومستقبلا.
ما يسمى باستحقاق سبتمبر ينبغي أن يُطوى إلى أن يحين أوانه مستقبلا، والأولوية الآن لحسم المصالحة وعدم تأجيل بحث وإنجاز ملفاتها، والتغاضي عن صغائر الأمور لصالح قضايانا الكبرى وتحدياتنا الاستراتيجية.