بقلم - موسى محمود الجمل
فجأة ظهر الفساد في حركة فتح بما كسبت أيدي دحلان، واكتشف "شرفاؤها" أخيراً أن كبش فداء بات جاهزاً لتأديب آخرين، رغم أن بحر الحركة الهادر بالفساد والمفسدين قذفت أمواجه قصصاً مماثلة منذ زمن على شطآنها الطويلة، تبع ذلك انشقاقات، تلاها تكوين أحزاب مجهرية، تحولت إلى بنادق مأجورة في أيدي أنظمة عربية. وفي كل حادثة من هذا القبيل يشيع على ألسنة الفتحاويين كذباً أن "فتح عصية على الانشقاق"، وكأن الحركة قد حفظت عذريتها ضده ولا يأتيها الباطل أبداً. وسأكتفي بسرد ثلاث قصص فساد من "العيار الخفيف" شهدت تفاصيلها داخل الحركة.
في عام 2003 أطلقت الحركة صحيفة إلكترونية - أتحفظ على ذكر اسمها - أنشأوا لها مركزاً– أتحفظ على اسمه-. قال كبيره، وقد كان مسؤولاً كبيراً في الحركة، "إن المركز مستقل". لم أكن أعرف أن الاستقلال كان يعني عنده الخروج عن مؤسسات إعلامية متعددة متكلسة للحركة، وإنشاء مشروع جديد، يسوقه في أروقة الرئاسة، فيحصل على تمويل جديد، يوفر له ولغيره دخلاً إضافياً.
بالنسبة لي كنت خريجاً جديداً متحمساً لأي عمل، لا يهمني كم صفراً يسبق رقم الراتب. جذبتني كلمة "مستقل"، فأنا أحب كل ما هو مستقل، في مجتمع تجتاحه "الفصائلية القبلية" للأسف. عملت بالمركز عاماً كاملاً كان يطلب فيه من جميع العاملين التوقيع على شيكين في نهاية الشهر: واحد نقبضه، ولا ندري إلى أي جيب كان ينتهي الآخر!
وهذا الموقع -أيها المناضلون- دُعي لافتتاحه أحد مستشاري الرئيس ياسر عرفات. خطب حينها بالناس عن وطنية المشروع ودوره في مجابهة الاحتلال!!. تخيلوا أن موضوعات الموقع كانت تطبع كلها شهرياً، وتُصدر على شكل كتب إلى مكتب الرئيس، يُدلل من خلالها أن إنتاجاً على هذه الدرجة من الحكمة، -أوليست كتباً؟!- يحتاج لمزيد من الدعم وضمان استمرار التمويل! الغريب أن مسؤول المركز ترقى لاحقاً، وأصبح سفيراً لدولتنا العتيدة لدى أعظم إمبراطورية سكاناً على وجه البسيطة، بعد أن أغلق المركز، وصفيت حساباته لصالح مجهول؟!. هذه القصة الأولى.
أما الثانية، فقد دعاني صديق فتحاوي لحضور اجتماع يخص إصدار مجلة للحركة في أحد أقاليم الحركة. في الاجتماع الأول كنا ستة أشخاص، تحدثوا عن جهوزية التمويل وتفاصيل الإنفاق، ولم يأتوا على المضمون وطبيعته، ولا حتى فكروا في طرح عنوان للمجلة. في الاجتماع الثاني تضاعف عدد الحاضرين، تحدثوا أكثر من المرة الأولى، لكن لغة العيون كانت أقوى، فهمت منها أن كل واحد جاء بآخر لينال نصيباً من الكعكة.
في الاجتماع الثالث كانت لغة الحوار هي ذاتها، الجديد أن ميدانها قد اتسع قليلاً وبقيت أدواتها كما هي: رمقات عيون مصوبة مثل السهام تجاهي هذه المرة، مغلفة بتلميح أصرح في إيجاد طريق للتخلص من وجدوي في اجتماعاتهم. دعيت للاجتماع الرابع فاعتذرت. بعد نحو ثلاثة أشهر قابلت صديقي وسألته إن المجلة صدرت أم لا، ضحك بملء فيه قائلاً: مجلة مين والناس نايمين.. إذا رأيت أنت المجلة فقد رأيتها أنا.. لقد تكفل الشاب بالأمر!!
في مرة ثالثة قابلت مجموعة من "أشاوس" فتح، وقد ملأوا القاهرة بعد الانقسام، حيث كانوا يعدون لإطلاق فضائية بدعم من أحد قادة الحركة البارزين، والذي أبعد لتوه من الحركة بعد معركة مع الرئيس أبو مازن موضوعها المال أيضاً، قبل أن يستقر في القاهرة ويشتغل ترفاً في الكتابة. أشاروا عليّ بالانضمام إلى اجتماعاتهم للتحضير للقناة. اعتذرت وقلت لهم إن المشروع سيفشل. استنكروا حديثي مستغربين. شرحت لهم التجربتين السابقتين، وزدت أن دخول الكثير من الفتحاويين للمشاريع لا يتم غالباً على أساس الرغبة في إنجاحها بقدر ما سيملأ جيب الواحد منهم نقوداً. انطلقت الفضائية، لم تكمل عاماً، أغلقت وتم توزيع موازنتها "حصصاً حصصاً" بين قبائلهم!!
هذا بعض من فتح، التي كل قيادي فيها فتح بذاته، يدير ما تقع عليه يداه من أموال بطريقته، ويفهم أي مشروع للحركة على أنه له ولمن حوله من أفراد ومريدين، فيختصر الحركة ومبادئها في شخصه وشخصيته، فيمنح ويمنع، إلى أن يدب الخلاف، فتفوح رائحة الفساد.
عتبي على كثيرين من أحرار الحركة، الذين دخلوها وأصبحوا جزءاً من هذه الحالة، بعضهم أبقى على نقائه وإن لم يستطع الخروج من دائرة الحركة.. والحكمة تقول: يولد الناس أحراراً فيسجنوا أنفسهم في أحزاب.