قائمة الموقع

طلاب يتنازلون عن تخصصاتهم لأجل لقمة العيش

2009-11-19T11:08:00+02:00

غزة - أمينة زيارة

أثرت زيادة نسبة البطالة بين الخريجين بشكل كبير على المجتمع الفلسطيني، حيث تُخرج الجامعات مئات الطلبة في كل عام وينضمون لطابور المنتظرين للوظائف، والبعض الآخر يضطر لوضع شهادته الجامعية جانباً والعمل في مهن بسيطة لا تمت لتخصصه بصلة وذلك من أجل لقمة العيش.

"الرسالة" استمعت لهموم هؤلاء الخريجين العاملين في غير تخصصهم.

لقمة العيش!

يعمل "الشاب" أحمد.ع" الخريج من قسم المحاسبة بائعاً في محل لبيع الملابس النسائية منذ ما يقارب العامين وقال "للرسالة" بعد رفض منه في البداية: تخرجت في قسم المحاسبة بتقدير جيد جداً وكنت احلم بوظيفة بعد تخرجي لكنني فوجئت ببطالة مستفحلة بين الشباب. ورأيت نفسي اصطف معهم في طابور الانتظار.

ويضيف: انتظاري لم يطل ولم استسلم كغيري فرفضت أن يُضاف اسمي لقائمة العاطلين عن العمل، وبدأت البحث عن عمل في أي مجال غير المحاسبة وبالفعل وجد لي صديق هذا العمل كبائع في محل للملابس النسائية.

الشاب "عبد الله. ح" الخريج من قسم التاريخ والذي بدأ يعمل على سيارة أجرة لكي يوفر لقمة عيش أسرته قال: تزوجت وأنا في السنة الرابعة وبعد التخرج بدأت ابحث عن عمل ضمن تخصصي لكن باءت محاولاتي بالفشل ولم أكن اعلم بأنني سأكون رقما من أرقام البطالة.

ويضيف: خلال العامين أنجبت زوجتي طفلين لذا لجأت للعمل على سيارة أجرة لتوفير احتياجاتهما ويتابع بابتسامة: "لو أعلم بأنني سأكون على هذه الحالة لما تزوجت"، ولكن الحمد لله ما يخرج من عائد يكفي عائلتي الصغيرة، متسائلاً: إذا كبرت عائلتي ماذا عساني أفعل؟

 تخصص غير مطلوب

"خمس سنوات دراسة في تخصص تكنولوجيا المعلومات وتميز وفي النهاية تخصص غير مطلوب" بهذه العبارة أوجزت "رشا.م" معاناتها قائلة: تخرجت بتقدير امتياز في الثانوية العامة وكان تخصص تكنولوجيا المعلومات أفضل تخصص لاستيعاب مجموعي لأنه قوي ويحتاج المتميزين فدرست فيه وتخرجت بتقدير ممتاز.

وتضيف: حلمت بوظيفة "مرتبة" لهذا التقدير والتخصص لكنني فوجئت بقلة الطلب عليها ومكثت أعاني عامين طرقت فيهما أبواب المؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة ولكن دون فائدة وفي تلك الفترة عملت كمدرسة في رياض أطفال وأخذت دورة في التصميم.

وتتابع: لم استطيع أن أبقى على هذا الحال فقد اضطررت إلى دراسة تخصص آخر يكون مطلوبا، فدرست "تربية رياضيات" وها أنا أعود من جديد للدراسة وأتمنى أن أحظى بوظيفة بعد التخرج ولا أعاني ما عانيته في السنوات الماضية.

بينما الشاب "حاتم.خ" والذي درس في كلية التمريض وتخرج بتقدير جيد جداً فقد رأي قافلة من الخريجين العاطلين عن العمل تنتظره فجمع أوراقه وذهب إلى السعودية عله يجد عملاً هناك، ويصرح للرسالة: حملت شهادتي وذهبت إلى السعودية وحلمت بوظيفة تنتظرني، لكنني فوجئت بأبواب موصدة، إلا أنني لم استسلم فقد عملت كإداري في بنك صغير بعقد، وبعد انتهائه عملت في مؤسسة خارج تخصصي ولم تستمر حتى عدت إلى أرض الوطن وها أنا انتظر وظيفة تدر دخلاً لي ولأسرتي التي تلومني في الذهاب والإياب.

وأضاف بحسرة: "واسمك متعلم ومعاك شهادة روح شوف شغل"، مطالباً الجهات المختصة بالعمل على تقليل نسبة البطالة بين الخريجين وإيجاد فرص عمل لهم.

البطالة السبب

وترجع الأخصائية الاجتماعية في الجامعة الإسلامية أ. رضا شحادة أسباب هذه الظاهرة إلى البطالة المتفشية والبحث عن لقمة العيش، فعدد كبير منهم يعيل أسرا، كذلك الميول الشخصية لدى الطلبة فقد يكتشف البعض بعد دراسة التخصص أنه لا يتناسب مع ميوله وأن قدراته العقلية ودرجة استيعابه لا تتناسب مع ذلك التخصص.

وتوضح: إن السبب الأهم هو سوق العمل في مجتمعنا الفلسطيني حيث أن هناك تخصصات معينة يزيد الإقبال عليها كون سوق العمل يحتاجها وبعد التخرج يسهل إيجاد وظيفة، وتخصصات لا يحتاجها سوق العمل مما يزيد البطالة فيها.

وتشير إلى أن كل طالب يحلم بالوظيفة والعمل بعد التخرج لأسباب كثيرة منها إثبات الذات وتحقيق الطموح وتحسين الدخل والعيش حياة كريمة، وتضيف: عندما ينظر الطالب إلى الظروف المحيطة والصعوبات التي تواجه الخريجين ممن سبقوه في تخصصات مختلفة فإنه يميل إلى تغيير تخصصه ودراسة تخصص آخر أو التنازل عنه للعمل خارج إطار تخصصه لتوفير لقمة العيش.

وتسوق شحادة أمثلة لتغيير الطلبة عن تخصصاتهم فتقول: هناك العديد من الطلبة اضطروا لتغيير التخصص لأنه لا يلائم سوق العمل والبعض منهم عادوا للدراسة من جديد في تخصصات أخرى بعد محاولته إيجاد فرصة عمل في تخصص آخر، خاصة طالبات قسم الهندسة اللواتي يتخرج منهن العشرات وسوق العمل في مجتمعنا لا يحتاجهم فيضطررن إلى تغيير التخصص.

إحباط واكتئاب

وترى رضا شحادة أن التخصصات التي يواجه أصحابها صعوبات في إيجاد فرصة عمل هي التخصصات التقنية والتي لها علاقة بالتكنولوجيا الحديثة وذلك نظراً للظروف الخاصة في غزة والصعوبات التي تقف حائلاً أمام ممارسة هؤلاء الخريجين ما تعلموه في الجامعات وهذا بالتأكيد يؤثر على التقدم الحضاري والتكنولوجي الذي نحلم به لهذا الجزء الصغير من الوطن.

وتعقب: عندما يلتحق الخريج بواحدة من هذه التخصصات يشعر دائماً بالتميز وأنه يدرس علما نوعيا ولكن بعد التخرج يصطدم بالواقع الصعب ويبدأ في مواجهة المعوقات فلا يجد المناخ المناسب لممارسة ذلك العلم على أرض الواقع ولا يستطيع تحقيق طموحاته التي كان يحلم بها أثناء دراسته، فيشعر بعضهم بالإحباط والاكتئاب مما ينعكس على كل جوانب حياته الاجتماعية والنفسية والعملية.

وتوضح شحادة: يجب على الجامعات أن تعمل على تبصير القادمين الجدد إلى أهمية تلك التخصصات النوعية وضرورتها لنهضة وتقدم الوطن وكذلك المؤسسات والمراكز العاملة في المجتمع المحلي بالدور الطليعي لهذه التخصصات وأهميتها للارتقاء بأي صرح ومؤسسة تسعى للتميز، مضيفة: يجب أن نعزز لدى الخريج علمه وأهمية ما يتعلمه لنهضة الأمة،  ومن ثم أن يعي ظروف مجتمعه بواقعية ويحاول التكيف مع هذا الواقع، ويحاول الارتقاء بما هو موجود، ويسعى لتطبيق ما تعمله بكل ما يملك من إمكانيات دون أن يسمح للظروف والمعوقات أن تقف في طريقه ولا يستسلم لما يواجهه من ظروف داخلية أو خارجية وأن يستشعر أن هذا نوع من أنواع الجهاد الذي تتطلبه ظروف مجتمعنا وواقعنا.   

اخبار ذات صلة