قائمة الموقع

أرامل الشهداء.. حيرة بين زواج جديد وتربية الأبناء

2009-11-21T16:16:00+02:00

غزة-مها شهوان-الرسالة نت

زينب (25 عاما) تروي قصتها لـ"لرسالة نت" وعلامات الأسى ترتسم على وجهها عندما استشهد زوجها خلال قيامه بعمل جهادي خلال الحرب الأخيرة على القطاع وحولها الصاروخ إلى أرملة.

وما أن انقضت عدتها حتى فوجئت بشقيق زوجها الأصغر يستولي على غرفة نومها ليتزوج فيها ليتفاقم الأمر  بطردها وابنيها الصغيرين من منزلها ليستولي أشقاء زوجها على البيت، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل حرموها وصغارها من راتب زوجها.

وعندما عادت زينب لبيت والدها مطرودة علها تجد الراحة والطمأنينة، صدمت بعرضه عليها أن تتزوج احد أسلافها أو تحرم من أبنائها، وقالت: لم يكن بوسعي إلا أن اقبل بالواقع الذي فرض علي لأعيش خادمة له ولزوجته الأولى.

لم تكن زينب وحدها من عانت لتتزوج من بعد زوجها الشهيد فهناك العديد من أرامل الشهداء تزوجن عن قناعة وأخريات أرغمن خوفا من أن يحرمن من أولادهن، لاسيما بعد الحرب الأخيرة التي راح ضحيتها المئات من الشهداء.

"الرسالة نت" حاولت تسليط الضوء على تلك الظاهرة لمعرفة وجهات نظر الجهات المعنية بشؤون المرأة اتجاه هذه الظاهرة.

البكاء على الأطلال

أمل (31 عاما) استشهد زوجها في إحدى الغارات "الإسرائيلية" على شمال القطاع قبل عامين، تاركا أمل وحيدة مع أطفاله الأربعة.

وبعد مرور عام على استشهاد زوجها عرض عليها أشقاء زوجها أن تختار احدهم لتتزوجه حماية لها ولأولادها فما كان من أمل التي تتمتع بشخصية قوية إلا أن اختارت أصغرهم سنا والذي مضى على زواجه عام واحد لتعيش حياتها كباقي النساء اللواتي في عمرها، وأرادت أن تحيا حياة ملؤها السعادة بدلا من البكاء على الأطلال، بحسب وصفها.

أما تفاصيل حكاية "ن.ع" (27 عاما) ولديها 4 أطفال أكبرهم يبلغ 7 سنوات فكانت على العكس، فبالرغم من أنها امرأة شابة وجميلة ،إلا أن زوجها أراد أن يتزوج عليها بأرملة شهيد بحجة انه لا يوجد أحد يحميها وأطفالها .

قالت "ن.ع :"لم يتزوج أرملة الشهيد شفقة كما زعم لكن طمعا بالمساعدات المالية التي تمنح لمن يتقدم للارتباط بزوجة شهيد"، مضيفة أنها حينما هددته بأنها ستكشف أمره لعروسه الجديدة هددها بالطلاق واخذ الأولاد منها فما كان منها إلا أن انصاعت لأوامره حفاظا على أولادها.

قصة أم عبد الرحمن كانت مغايرة لسابقاتها فهي من اختارت لزوجها أرملة شهيد ضرة لها لتكسب وزوجها الثواب من خلال احتضان الأرملة وطفليها الصغار.

وكان لام عبد الرحمن ما أرادت لتسارع بإعداد عش الزوجية الجديد لزوجها وعروسه التي اعتبرتها أختا لها لا ضرة.

لكن فرحة الزوجة الجديدة لم تكتمل حينما اختطف أهالي زوجها الشهيد أبناءها، فمحاولات زوجها باءت جميعها بالفشل لإعادة أبناء زوجته.

حالة شاذة

وفي هذا السياق تحدث عادل رزق المدير العام للهيئة الأهلية لرعاية الأسرة بأن لديهم معايير معينة لقبول الرجل الراغب بالزواج من أرملة شهيد ، مشيراً إلى انه من ضمن هذه المعايير أن يكون المتقدم أعزباً أو أرملا أو مطلقا، إضافة إلى انه يفضل أن يكون من أقرباء الشهيد كي يحتضن الزوجة وأولادها.

وأشار إلى أن تلك المشاريع جاءت لدعم برنامج المقاومة فهناك العديد من الأهالي يرفضون تزويج بناتهم لمن يرغب بالارتباط بهم من المقاومين خوفا من أن يترملن وهن في مقتبل العمر، مبينا أن الهدف من وراء المشاريع هو كفاله اسر الشهداء ورعاية أبنائهم وتحصين زوجاتهم.

وبحسب رزق فان هناك قائمة بأسماء شباب يرغبون بالارتباط بأرامل الشهداء فاق عددهم 250 متقدماً، حيث يقوم كل واحد منهم بتعبئة استمارة أعدها المركز ومن ثم تقوم الهيئة  بدراسة حالة المتقدم والزوجة التي يريدها للتأكد من احتياجه للمساعدة لتتم مساعدته في تقديم المهر.

وأوضح بأن لديهم بحث مستمر عن المتقدم قبل وبعد الزواج لمعرفة مدى حفظه وصونه للأمانة ، مع العلم أن المتقدم يكون قد عقد قرانه على الأرملة التي يريد الاقتران بها.

وذكر رزق  بأنه تم تزويج 33 عريسا ًخلال شهر يوليو الماضي جميعهم لم يسبق لهم الزواج من قبل ، مشيراً إلى أنه يتم مساعدة الأكثر احتياجاً لأن جمعيته تعمل على تكافل الأسرة داخل المجتمع الفلسطيني.

وأضاف بأنهم لم يواجهوا حتى اللحظة أية حالة مجبرة على الارتباط لاسيما أن اغلب المتقدمين يودون الارتباط بزوجة أخيهم الشهيد أو قريبتهم لحفظ أبنائها ورعايتهم ، مؤكداً أنه في حال تم اكتشاف وجود حالة مجبرة على الزواج سيعملون على إبطالها بمساعدة جهات مختصة.

وأشار رزق إلى وجود برنامج ضخم يسعى لتوفير فرص عمل لإعالة اسر الشهداء بدلا من كفالتهم وتقديم المساعدات المالية البسيطة لهم ، من خلال مشروع يدر عليهم المال ليعيشوا بكرامة.

وقال:"مشكلة المرأة الفلسطينية أن المجتمع الفلسطيني والإسلامي بصفة عامة ينظر للمرأة المطلقة والأرملة نظرة ناقصة".

وطالب رزق المرأة الفلسطينية بالتعاون من اجل المجتمع الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال، مؤكدا بأنهم ليسوا دعاة لهدم اسر فلسطينية وإنما هدفهم المحافظة على ترابط الأسر.

لوائح تنفيذية

من جهتها قالت هدى نعيم النائب في المجلس التشريعي :" تم انجاز القانون الرسمي الجديد  لضمان حقوق اسر الشهداء الذي يعنى بحقوق اسر و زوجات الشهداء ، و مراحل إصدار القانون تمت وأرسلت لدار الفتوى للموافقة عليها لتصدر في الجريدة الرسمية للمجلس التشريعي بأقرب وقت".

وأشارت إلى أن القانون اشتمل على كافة الحقوق المادية والاجتماعية والتعليمية والمعنوية، موضحة بأنه تم من خلاله معالجة كافة القضايا المالية الخلافية حتى اسند تفسير الحقوق المالية لأهالي الشهداء كزوجته وإخوته ووالديه.

وأوضحت نعيم بأنه طلب من مجلس الوزراء لوائح تنفيذية لتفسير كافة الأمور الدقيقة لاسيما المالية منها ، مبينة أن ما تركه الشهيد بالإضافة للمنح التي حصل عليها تقسم على الورثة، في حين يوزع راتبه على من كان يعيله الشهيد من أبنائه وزوجته أو أحد إخوته قبل استشهاده.

وأكدت نعيم على أنها مع مشروع تزويج أرامل الشهداء دون تعقيد ليتم بطريقة سلسة وايجابية، داعية كافة شرائح المجتمع أن يتكفلوا ويدعموا تلك العملية دون اللجوء لمؤسسات تكفل وترعى تلك الحالات.

قانون الحضانة

في حين ذكرت اعتماد الطرشاوي مدير دائرة المشاريع بوزارة شؤون المرأة ، أن وزارتها  قامت بالتعاون مع المؤسسات المعنية بالنساء الأرامل بوضع مجموعة من البرامج والمشاريع التي تساهم بدمج النساء الأرامل في المجتمع لتصبح فاعلة بصورة أكبر وتؤدي دورها للخروج من كونها امرأة محتاجة تنتظر الشفقة من المحيطين بها .

وبحسب الطرشاوي فان ابرز المشاريع التي نفذت لدعم النساء الأرامل مشروع بناء الذات للمساعدة على التغلب على أحزانهم وإعادة دمجهم في المجتمع، بالإضافة إلى برنامج المساعدة في إدارة شؤون  البيت سواء على الصعيد التربوي أو الاقتصادي .

وأكدت الطرشاوي على انه تم تعديل قانون الحضانة الخاص بالنساء الأرامل اللاتي امسكن

أنفسهن على الزواج بحضانة مطلقة لأبنائها، بعد أن كانت الحضانة سبعة سنوات للولد وتسعة للبنت ، مشيرة إلى انه تم تطبيقه فعليا في المحاكم من يوليو الماضي بعد أن قامت وزارتها بتقديمه للمجلس التشريعي.

وعن زواج أرامل الشهداء باركت الطرشاوي هذه الخطوة قائلة: "نحن ندعم هذا الأمر لأنه يتماشى مع الشريعة الإسلامية وذلك لبناء مجتمع متماسك ومترابط "، موضحة أن وزارتها ستعمل على تمكين النساء لاتخاذ القرارات المناسبة فإن وافقت المرأة فلها مطلق الحرية في اختيار شريك حياتها وأن رفضت فهي أقدر النساء على معرفة أسباب الرفض .

وأوضحت الطرشاوي انه في حال اعتبار مسألة زواج الأرامل أصبحت ظاهرة فيمكن اعتبارها خطوة ايجابية تحتاج لدعم ، لاسيما في ظل الظروف التي يعيشها قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة التي راح ضحيتها المئات سواء من النساء أو الأطفال وكذلك الرجال .

نظرة دونية

وفي الوقت ذاته رفضت زينب الغنيمي مديرة مركز الاستشارات والدراسات القانونية للمرأة فكرة مشروع تزويج الأرامل قائلة :"نحن ضد تشجيع الرجال المتزوجين أن يتزوجوا على زوجاتهم بدعوى ستر الأرامل فهذا مرفوض لأنه يعكس نظرة دونية للمرأة وكأنها بعد موت زوجها ستنحرف".

ورغم أن الغنيمي أكدت أن من حق المرأة أن تتزوج وتختار كما تريد سواء كانت عزباء أو مطلقة أو أرملة ، إلا أنها ليست مع العمل لترويج تزويج الأرامل لان هناك العديد من الفتيات الجامعيات باتت فرصهن في الزواج ضعيفة ومن الأولى الاهتمام بهن.

وتساءلت حول سبب الاهتمام بأرملة الشهيد وما وراء هذا الطرح، معتبرة أن هذا يدخل في إطار التعبئة لتعدد الزوجات .

وأضافت الغنيمي انه بدلا من أن نحرم أبناء الشهداء أمهم حينما تتزوج برجل آخر ،لابد أن نحمي أرملة الشهيد وندفع لها ما يؤمن حياتها وحياة أولادها من نفقات بدلا من أن يعيشوا اليتم مرتين.

في حين شكك المدير العام للهيئة الأهلية لرعاية الأسرة بالاتهامات التي تدعي أن الجمعيات التي تحاول تزويج أرامل الشهداء من أجل ستر المرأة  خشية من الانفلات كما قال، متسائلا: ألا يحق للفتاة التي تبلغ من العمر 18 ربيعا أن تتزوج بعد أن فقدت زوجها الشهيد لترتبط بآخر ويحق لها العيش لتكوين أسرة كباقي الفتيات.

بينما ردت نعيم النائب في المجلس التشريعي: "هؤلاء يخالفن ما ورد في الشريعة بخصوص النساء إلى جانب التمرد على العادات الاجتماعية التي تحافظ على الأسرة"، مؤكدة على أنهن فقدن المصداقية أمام الجميع من خلال التناقض والخلاف في الدفاع عن حقوق المرأة ، مشيرة إلى أنهن لو كن صادقات لحاولن تزويج المرأة لتتمتع بأبسط حقوقها في المجتمع ليكون لها زوج لحمايتها وتكوين أسرة كاملة.

جو الألفة والتقارب

من جانب آخر أوضح الأخصائي النفسي أنور العبادسة أن من الظواهر الايجابية التي يتم التركيز عليها حينما تنوي المرأة الزواج أن يكون زوجها قريبا كشقيق الزوج مثلا وذلك لاعتبارات اجتماعية متعددة منها جو الألفة والتقارب التي تكون بين الطفل والزوج القريب.

ونوه إلى عدة عوامل لابد من توافرها لدى زوج الأم عند تعامله مع الأطفال منها أن يكون رحيما ومتفهما وقادرا على الاستيعاب، ليتمكن من القيام بدور الأب البديل ليلعب دورا ايجابيا في عملية التنشئة ،لاسيما وان الأب لديه دور مكمل للام في ضبط الأمور والقيم.

 وذكر العبادسة بان هناك اختلافا في تقبل الأولاد زواج الأم وذلك حسب اختلاف أعمارهم فكلما كان الطفل صغيرا كان لديه القدرة على التكيف أكثر من الطفل الواعي أو المراهق، مشيرا إلى أن ذلك يشكل للمراهقين نوعا من الرفض للحالة الجديدة إضافة لوجود عامل آخر مرتبط بزوج الأم إذا كان قريبا أو غريبا.

ولفت العبادسة إلى ابرز القضايا التي تؤثر على الأبناء وتجعلهم في حالة صعبة أن تتركهم أمهم وتذهب للعيش في بيت زوجها الجديد بعيدا عنهم مما يجعلهم يفقدون الأم والأب في آن واحد.

وأضاف بأنه يجب أن يمهد للطفل بوجود رجل سيكون في حياة أمه وأن الحياة لا تسير إلا بذكر وأنثى ، بالإضافة للتأكيد على أهمية الرجل في حياة الطفل لما يمثل من عامل أمان وحماية.

وأشار العبادسة إلى ضرورة بناء الألفة بين الطفل والزوج الجديد قبل أن يتم الزواج من خلال التعارف، داعيا الزوج أن يبين للطفل الاهتمامات المشتركة بينهم كالألعاب والأفكار حتى يكون الطفل قد اعتاد عليه عند بداية العلاقة الشرعية .

وتبقى أرامل الشهداء في حيرة من أمرهن، إما البحث عن بر أمان جديد مع زوج ثان أو تضحي من اجل البقاء لتربية أبنائها.

 

 

اخبار ذات صلة