قائمة الموقع

بعد زواج الأبناء ... الوحشة والوحدة تخنق الآباء

2010-12-20T10:34:00+02:00

غزة _ أمل حبيب

في إحدى زوايا بيته يجلس على أريكة خشبية عفى عليها الزمن كما هو حال رأسه الذي اشتعل شيبا, كل شيء من حوله يتسم بالهدوء .. فالرزانة اجتاحت أثاث المنزل ولا مجال للحركة أو اللعب .. وأيام حياته المتبقية كلها متشابهة ..

الستيني أبو بهاء تقوقع في منزله الصغير متألما من الوحدة والفراغ بعد زواج أبنائه الخمسة وخلو البيت عليه وزوجته .

فخلف أبواب المنازل تسكن العديد من القصص التي تجسد شعور الآباء بالوحشة والغربة بعد تزويج أبنائهم .

القرآن أنيس وحدتي

لم يبق لأبو بهاء إلا الذكريات الجميلة من حياته مع أبنائه فمنهم من سافر وعائلته الجديدة ومنهم من انتقل إلى محافظة أخرى والآخر يزوره في المناسبات , فلم يحتمل ألم الفراق والوحدة, فعاش مع الذكريات والصور.

أما الحاجة أم أحمد -45 عاما- إحدى المغتربات في دولة الإمارات العربية المتحدة كان حالها أفضل بكثير من وضع أبو بهاء المأساوي , فبالرغم من مغادرة أربعة من أبنائها منهم من تزوج ومنهم من يكمل دراسته الجامعية , إلا أنها تتمنى لهم حياة أفضل.

 وفي صوتها نبرة أمل برؤيتهم بأحسن حال تقول (للرسالة) :" لم أستطع التأقلم بسهولة على غياب أبنائي عن البيت , ففي البداية كان الحزن يغمر قلبي(...) اليوم حفظ القرآن هو أنيس وحدتي وصاحبي في غربتي ".

بين الحين والآخر تتفقد الحاجة أم أحمد وزوجها أحوال أبنائها للاطمئنان على أوضاعهم , ولتبديد شعورها بالقلق المستمر وخصوصا عند حدوث بعض المشاكل في حياة بناتها وأزواجهم , تحاول أن تساعدهن في حلها من خلال التواصل عبر الشبكة العنكبوتية .

وتختلف درجات الوحشة التي يشعر بها الوالدان فمنهم من يكون شعورهم بالوحدة ضئيلا لأن أبناءهم يقيمون معهم بنفس السكن أو المنطقة, وبعضهم يشعرون بالوحشة وهم بجوارهم , أما الوحشة والوحدة المريرة هي بعد رؤيتهم بسبب السفر أو الغربة أو الموت .

آخر العنقود

أم علاء وجدت صعوبة بالغة في تزويج ابنتها الصغيرة ( آخر العنقود ) والتي كانت تضفي نكهة المرح والحيوية على الأجواء العائلية , وتقول :" كانت المرافق الشخصي في زياراتي للأقارب وتحدثني بتفاصيل يومها وبأحلامها وآمالها , لم أستطع التخيل بأنها ستغادر البيت وتتركني وحيدة  (...) شعرت بالوحدة المخيفة والتي خفت تدريجيا عند رؤيتي لها سعيدة في بيت الزوجية ".

ويواجه الأهالي مشكلات عديدة بعد زواج أبنائهم تبدأ بالقلق على مستقبل الحياة الزوجية لأبنائهم مرورا بالإحساس بالفراغ ولا تنتهي بالشعور بالوحشة و الضيق لغيابهم .

من جهته يصف أستاذ علم النفس بجامعة الاقصى د. درداح الشاعر بأن  شعور الأهالي بالوحشة والغربة بعد تزويج أبنائهم بالطبيعي , قائلا :" لا شك بان خروج الابن أو البنت من المنزل يترك فراغا نفسيا وشعورا  بالقلق " .

وبين الأخصائي النفسي بأن درجة الشعور بالوحشة أو الوحدة تختلف  من شخص الى آخر , مشيرا الى أن العلاقة الأبوية يجب ألا تنتهي , أو تنقطع بعد زواج الابناء , فالابن البار عليه أن يكون على مسافة نفسية قريبة من والده في مرحلة حياته المتبقية .

وأكد الشاعر بأن ترك الابناء لأهلهم والزواج بعيدا عنهم  ليست بالظاهرة في المجتمع الفلسطيني, فمعظم الابناء يقومون برعاية ذويهم حتى بعد الزواج والاستقرار , منوها الى وجود بعض العوامل التي تتحكم في درجة شعور الابوين بالوحدة أو القلق منها :شخصية الوالد أو الام وطبيعة العلاقات الاجتماعية المحيطة .

ويرى أستاذ علم النفس بأن الأم تتأثر بشكل أكبر من الأب عند رحيل أبنائها من البيت للزواج , قائلا :" الأم بطبيعتها عاطفية , وابنها أو بنتها جزء منها حملته في أحشائها وتعلقت به نفسيا وأخلاقيا فمن الطبيعي أن تحزن عند انفصاله عنها ".

ودعا أستاذ علم النفس الأبوين الى الشعور بالفخر والاعتزاز بما أنجزوه في حياتهما  في تربية الابناء ورؤيتهم مستقلين في بيوتهم , منوها الى ضرورة بحث الاباء عن بدائل تؤنس وحدتهم من خلال الصلة بالله وملازمة قراءة القران , وزيارة الاقارب والابناء والاطمئنان على أحوالهم لتعويض الفاقد النفسي الذي نتج بعد زواج الابناء  .      

بين الماضي والحاضر

ويعلق على الموضوع مدير مركز سنابل للدراسات والتراث الشعبي بالخليل ادريس جردات بأن ظروف الحياة وما طرأ عليها من متغيرات تؤثر على الحياة الاسرية , فالأبناء اليوم يبحثون عن الاستقلالية والنظام , على عكس أيام زمان والتي كان فيها الآباء والاجداد يعيشون في كنف واحد مترابطة دافئة بالحب والحنان .

وأوضح جردات بأن الوالدين لم يشعروا بالقلق أو الوحدة عند تزويج أبنائهم قديما فالعلاقات كانت متماسكة أكثر , مبينا بأن أنهم كانوا يشعرون بالعز والفخار عند تزويج أحد الابناء .

وقال مدير مركز سنابل في حديثه مع "الرسالة":"الأم قديما كانت تعد طبخة واحدة تجتمع حولها كل الاسرة بالإضافة الى أنها كانت تقوم على تقديم النصائح والتعليمات للكنة المتعلقة بفترة الحمل والولادة أو الرضاعة , وتجتمع الاسرة على مائدة واحدة " .

وبحسب جرادات فان الاجواء الاسرية كان يسودها الاستقرار النفسي والشعور بدف العائلة , ذاكرا الى أن هذه المظاهر أصبحت تتلاشى في ظل البحث عن الاستقلالية . 

وبالرغم من شعور بعض الاهالي بالوحشة أو الغربة عند غياب الابناء , تبقى حياة الفلسطيني مترابطة بطبعها مقارنة مع المجتمعات الأخرى .

 

اخبار ذات صلة