من دراستي المتعمقة بتواضع للداخل الإسرائيلي، تعلمت أن أتابع بانتباه شديد موضوعين: مؤتمرات هرتسيليا فإذا أراد مطلق إنسان معرفة السياسات الإسرائيلية للحكومات المتعاقبة عليه أن يدقق في توصيات هذه المؤتمرات الاستراتيجية، الموضوع الثاني وهو المناورات العسكرية التي تُجريها دولة الكيان الصهيوني، فهذا الجزء الثالث من شهر يونيو، ابتدأته "إسرائيل" بإجراء مناورة عسكرية أسمتها "نقطة تحول 5" ستستمر لخمسة أيام , وهي عبارة عن تمرين دفاعي واسع النطاق لتحضير(المجتمع) المدني لخدمات الطوارئ لهجمات كبيرة تشن بالصواريخ، فمن بين السيناريوهات المحتلمة: مواجهة هجمات كبيرة من الصواريخ (800 صاروخ يومياً) ممكن أن تطلق من لبنان، سوريا، قطاع غزة، وإيران.
ويختبر هذا التمرين الواسع: الهجمات على منطقة تل أبيب وعلى منشآت تعتبر استراتيجية كمحطات توليد الكهرباء وأنظمة توزيع المياه ومستشفيات المسنين. اللافت للنظر في هذه المناورات الأخيرة أنه للمرة الأولى سيطلب من نواب الكنيست المشاركة في التمرين، لمحاكاة هجوم على مبنى الكنيست في القدس المحتلة.
بالطبع، "إسرائيل" أدركت بعد تجربة العدوان على لبنان ورد فعل المقاومة الوطنية اللبنانية عليها أنه ليس بمقدورها بعد الآن تجنب إطلاق الصواريخ القصيرة والمتوسطة، والبعيدة المدى على أية بقعة فيها، وعلى أية أهداف بما فيها تلك التي تعتبرها استراتيجية أيضاً. تحرص "إسرائيل" على تصوير العدو ( وهو الفلسطينيون والعرب والمسلمون) بمظهر البرابرة ذلك من خلال تضمين هذه المناورات، تجربة إخلاء المسنين في دورهم، حتى ينقل الإعلام صور الإسرائيلي البريء، الذي حتى لو كان مسناً وعاجزاً فهو سيشكل هدفاً لأعدائها, ولذلك حرصت على زج هؤلاء في التمرينات هذا أولاً.
ثانياً: تعودنا منذ ولادة الدولة الصهيونية وحتى اللحظة, على قيام "إسرائيل" دوماً بالضربات العسكرية الاستباقية لما تعتبره خطراً قد يهددها. هذا ما نفذّته في عدوانها على مصر في عام 1956 مع حليفتها آنذاك بريطانيا وفرنسا فيما اصطلح على تسميته (العدوان الثلاثي) وهكذا مارست في عدوانها على ثلاث دول عربية في عام 1967، وفي عام 1982 على لبنان، وفي عام 2006 أيضاً على لبنان، وفي عام 2008-2009 على قطاع غزة، وهذا ما اقترفته بالنسبة للمفاعل النووي العراقي، وضرب ما أسمته المنشآت النووية السورية, وغيرها وغيرها. وكانت قبل كل عدوان تقوم بمناورات عسكرية واسعة على شاكلة المناورات العسكرية الأخيرة. بالتالي فإن هذه المناورة التي هي الخامسة بعد العدوان على لبنان في عام 2006، غير بريئة الهدف، واحتمالية قيامها بعدوان جديد، أكثر من قائمة!.
قد يقول قائل إن توازن الردع القائم حالياً بين "إسرائيل" من جهة، وبين تحالف المقاومة اللبنانية وسوريا وإيران، الذي تعزز في قمة دمشق للأطراف الثلاثة, هو بمثابة الكابح لقيام "إسرائيل" بعدوان جديد. لكن من جهة ثانية تعودنا أيضاً من "إسرائيل" على هجمات عسكرية استباقية تعتمد عنصر المفاجأة لتعطيل الأسلحة، وفي هذه الحالة الصواريخ المهددة لها، التي تشكل خطراً عليها، هذا ما فعلته في عدوان عام 1967 على الدول العربية، فقد قامت بضربة عسكرية شلّت قدرة الطيران المصري وقدرة صواريخ مصر آنذاك. القاهر والظافر على إيذائها، ولذلك طلبت من الولايات المتحدة صواريخ ضد الصواريخ بمختلف أبعادها، وقامت الأخيرة بنصب ما أسمته (القُبّة الفولاذية) التي أنشأتها بداية في النقب لتطال فيما بعد مختلف المناطق والأهداف الإسرائيلية.
ولذلك ستسعى "إسرائيل" لابتكار حلول أيّاً كانت، عسكرية، تخريبية عن طريق عملائها, وذلك لتعطيل قدرات هذه الصواريخ التي قد تصيب أهدافاً فيها، وهي في هذه المسألة تضمن مساعدة الولايات المتحدة, إن في إيجاد الحلول التكنولوجية لدرء هذا الخطر، أو في بقاء "إسرائيل" متفوقة عسكرياً على كل دول المنطقة.
الاعتداء وممارسة العدوان هي صفة ملازمة لوجود "إسرائيل", وهي لن تتخلى عنه. ما تخشاه هو الصواريخ التي تصيب مواقع وأهدافا فيها، لذلك تسعى إلى التخلص من هذا الخطر لتعود إلى طبيعتها العدوانية. في عام 2006 اضطر نصف مليون إسرائيلي يهودي إلى مغادرة مستعمرات ومدن شمال فلسطين المحتلة للهروب من صواريخ حزب الله. وهي تعمل على ألا تمر في نفس التجربة مرّة أخرى، فهل نستطيع إفشال كل هذه المحاولات الإسرائيلية؟.
صحيفة الوطن العمانية