غزة- محمد أبو قمر
تجول أبو محمد يوسف في ثلاثة أسواق بحثا عن " السردين " التي اعتاد على شرائها لأسرته في موسمها -الذي يهم بالمغادرة هذه الأيام- ، إلا أن محاولاته باءت بالفشل أمام ندرتها من الأسواق والتهاب أسعارها .
ويطلق الصيادون على السردين " أم العيال " نظرا لرخصها في الوضع الطبيعي وتعد وجبة غنية للأسرة الكبيرة المليئة بالعيال .
** انتكاس الموسم
ويعزو الصيادون قلة الأسماك من السوق إلى اعتداءات الاحتلال المتكررة عليهم في عرض البحر ، مما يبقيهم في منطقة محدودة تخلو من الأسماك من كثرة الصيد بالمحيط ذاته .
وخرج الصياد ماهر بركات بعد رحلة طويلة من البحر وهو يحمل كمية محدودة من الأسماك المتناثرة ، وقد اختلفت ملامح وجهه الساخطة على ما يجري داخل البحر ، حيث تمنع قوات الاحتلال دخول الصيادين أكثر من ثلاثة أميال بحرية أي بعمق ثمانية عشر ، في حين كانت تسمح العام الماضي بوصولهم لضعف تلك المسافة .
وكما يقول بركات فان الاحتلال لم يكتف بمنع دخول الصيادين لعمق أطول بل يطلق النيران على كل من يحاول تجاوز بشكل عرضي بحر دير البلح جنوبا ، والواحة شمالا بحجة خشيتهم من التهريب .
وتبدو أنواع الأسماك المتواجدة في السوق هذه الأيام قليلة إذا ما قورنت بالأعوام الماضية وتقتصر على المليطة ، والقليل من السردين ، وما يسمى بورش ، وبلميدا .
وبحسب بركات فانه لو سمح لهم بالدخول لعمق أكثر لتمكن الصيادون من استخراج اللوكس والسردين بكميات كبيرة ، ويتابع " في الماضي كنا نخرج ما يقارب من المائة فرش من السردين ، أما الآن فبالكاد نستطيع إخراج خمس أو ست منها ".
وتلتهب أسعار السردين هذه الأيام مع أنها كانت في الأعوام السابقة رخيصة الثمن ، وبمقدور الجميع شرائها .
يشار إلى أن ذروة السمك تكون في فترتين من العام وهما ما يطلق عليهما " بالعتمة " حيث تمتد الأولى من منتصف ابريل وحتى منتصف يونيو ، والثانية في تشرين أول وتشرين ثاني " أكتوبر ونوفمبر " والتي يطلق عليها "عتمة التشارين" .
ويعد الصيادون أنفسهم طوال العام للعمل في "العتمتين" ذوات الرزق الوفير ، لكن آمالهم خابت أمام عدوان الاحتلال وممارساته التعسفية بحقهم التي أدت لتراجع عملهم وانتكاس موسم الصيد بشكل ملحوظ .
** عراقيل الاحتلال
وفي حال نجاح موسم السمك وتوفره في السوق بكثرة فانه ينعكس على أسعار اللحوم والدجاج التي تنخفض تلقائيا نظرا لالتفات المواطنين للسمك بدلا منها ، أما هذه الأيام فبقيت أسعار اللحوم والدجاج على حالها لقلة الأسماك .
ويشير الصياد بركات إلى أن فرش "المليطة" يباع هذه الأيام بأربعين شيقل ، في حيت كان سعره لا يتجاوز العشرين شيقلا في السابق ، كما أن الحباري فقدت من السوق .
ويؤكد أن مواطن الأسماك غالبا تكون في مناطق متقدمة من البحر ، ومع تركز عمل الصيادين في منطقة محدودة بسبب عراقيل الاحتلال فان ذلك أدى لنفاد الكميات القليلة المتواجدة في تلك المنطقة ، وبات الصياد يبحث عن الأسماك العابرة للطريق ليلتقطها .
ويستخدم الاحتلال إطلاق النار على مقدمة المراكب لتحذيرها من التقدم ، وفي حال لم يلتفت الصيادون لتلك الإشارة يوجهون الرصاص لهم بشكل مباشر .
ويقول الدكتور حسن عزام مدير عام الثروة السمكية بوزارة الزراعة أن إجراءات الاحتلال بحق الصيادين تهدف لإنهاء تلك المهنة بشكل كامل ، على غرار الحصار البري الذي حرم آلاف العمال من مصدر رزقهم .
وكما يشير عزام فان تلك الاعتداءات تصاعدت عقب الحرب الأخيرة حيث اعتدت بشكل مباشر على أحد " اللنشات " الكبيرة من بين أثني عشر لنشا عاملة في البحر ، وتم مصادرتها ، واعتقلت عددا من الصيادين قبل أن تطلق سراحهم .
ولفت عزام إلى أن أكبر مساحة سمحت قوات الاحتلال بدخولها كانت عشرين ميلا وذلك عقب اتفاق أوسلو مباشرة ، ومن ثم بدأت بتقليص المساحة شيئا فشيئا حتى وصلت العام الماضي لستة أميال ، وثلاثة للعام الحالي .
ويؤثر تقليص المساحة على كمية ونوعية الأسماك التي يتم اصطيادها ويتابع " الآن موسم السردين ولكنه غائب عن السوق لأنه يتواجد بالغالب بعد ستة أميال ، وبالتالي ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ لندرتها " .
وبلغت عدد المراكب الصغيرة التي تمت مصادرتها خلال الفترة الماضية عشرين مركبا إلى جانب مركب كبير.
ومع تركيز الصيادين عملهم في مساحة محدودة والتي تنمو بها الأسماك ، فان ذلك يعمل على هدر الأسماك الصغيرة التي تنتج على الشواطئ ويضر بالثروة السمكية ، لكن الخيارات البديلة غائبة ولا يمكن منع الصيادين من لقمة عيشهم .
** استمرار القرصنة
وفي هذا الإطار استنكرت الحملة الفلسطينية الدولية لفك الحصار عن قطاع غزة في شبكة المنظمات الأهلية استمرار عمليات القرصنة التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصيادين الفلسطينيين ومصادرة قوارب.
وأشارت الحملة في غزة إلى اعتداء زوارق الاحتلال خلال الفترة الماضية على قوارب الصيد على بعد اقل من ثلاثة أميال من شاطئ غزة وإطلاق النار تجاهها ومحاصرة احدها واعتقال ستة صيادين كانوا على متنه واقتيادهم إلى ميناء اسدود داخل الأراضي المحتلة عام 48.
وتشير تلك العراقيل إلى أن الاحتلال يلاحق الصيادين حتى في المساحة التي حددها لهم ، ويصر على طردهم من البحر بكل الأشكال .
وطالبت الحملة المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية والإنسانية بالتدخل العاجل والسريع والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإطلاق سراح الصيادين ووقف الاعتداءات عليهم والسماح لهم بالصيد بكل حرية في مياه قطاع غزة الإقليمية.
وشكلت مهنة الصيد سابقا دخلا اقتصاديا مهما لمدينة غزة التي تضم وحدها 1400 صياد من 3600 يعلمون على طول ساحل يمتد 40 كلم، والخاضع لحصار إسرائيلي منذ ثلاثة اعوام.
وقال نزار عياش نقيب الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة أن خسائر قطاع الصيد المباشرة خلال فترة الحرب على غزة تتجاوز الأربعمائة ألف دولار، بسبب الأضرار التي لحقت بقوارب الصيد ومعدات الصيادين، فيما بلغت قيمة الخسائر غير المباشرة أكثر من مليون وسبعمائة ألف دولار أمريكي.
وأوضح عياش أن خسائر الصيادين المباشرة منذ بدء الانتفاضة تزيد عن السبعة عشرة مليون دولار أمريكي، مؤكدا أن الأمور ستزيد سوءا في حال استمرت اعتداءات الاحتلال حيث أن ما نسبته عشرة بالمائة فقط من مراكب الصيد تعمل فقط في هذه الآونة.
وحذر من خطورة خسارة الصيادين لموسم الصيد الحالي بسبب تقليص الاحتلال مسافة الإبحار إلى ثلاثة أميال، واعتداءاته المستمرة بحق الصيادين من إطلاق للنار واعتقال وتدمير لقوارب الصيد.
وأشار إلى أن ثلاثة آلاف صياد باتوا يعيشون تحت خط الفقر، مطالبا ببلورة برنامج لدعم وتعويض الصيادين أسوة بالقطاعات الأخرى، واصفاً ما يقوم به الاحتلال بعملية قرصنه تستهدف مقدرات الشعب وحقوقه المشروعة.
ومع تواصل اعتداءات الاحتلال بحق الصيادين يبقى السمك مفقودا من السوق وبأسعار باهظة خارج نطاق مقدرة المواطنين على شرائه .