الضفة الغربية - الرسالة نت
تنتشر 200 "مشحرة" في بلدة يعبد الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة جنين شمال الضفة الغربية، حيث تعد صناعة الفحم مصدر دخل أساسي لأهالي البلدة منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ورغم ازدهار صناعة "الذهب الأسود" في تلك القرية فإنها باتت تشكل خطرا بيئيا وصحيا لسبب التوسع العشوائي الحاد، والذي أدى لخلق مضاعفات وآثار بيئية وصحية بعيدة المدى في تلك المنطقة.
ويرجع رئيس بلدية يعبد وليد العبادي التوسع العشوائي لـ"المشاحر" في القرية وقربها من المناطق السكنية إلى عمليات مصادرة الاحتلال للأراضي في المنطقة.
ويقول لـ"الرسالة نت": "تم مصادرة آلاف الدونمات الزراعية المصنفة ضمن المنطقة C من أراضي يعبد، مما أجبر العديد من أصحاب "المشاحر" لنقل أعمالهم لمناطق قريبة من منازل المواطنين".
وأشار العبادي إلى الضرر الكبير الذي تلحقه صناعة الفحم بالمياه والأشجار، "إضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي والمخاطر على المباني السكنية".
رزق تحفه المخاطر
أما العاملون في صناعة الفحم فهم مرغمون على العمل رغم المخاطر الصحية التي قد تنجم عنها، حيث يقول ياسر أبو بكر (55 عاما) الذي يعمل في هذا المجال منذ 22 عاما: "نحن مستفيدين من هذه المهنة منذ عشرات السنين، وكثير من أهالي القرية يسدون حاجتهم ومصروفهم من العمل في إنتاج الفحم".
ويتابع: "أعمل أنا وإخوتي الخمسة في "المشاحر"، وتصل شهرية الواحد منا لأكثر من 5 آلاف شيقل، أما فيما يتعلق بالأضرار الصحية فقد أجريت منذ فترة عدة فحوصات والأطباء أكدوا لي أنه لا يوجد أي مشكلة لدي".
أما علاء ياسين (35 عاما) فقال: "الضرر موجود وأكيد، ولكن لا يوجد بديل لهذا العمل في القرية، خاصة أنني لا أملك شهادة توجيهي".
وبشيء من الفخر أضاف: "الدخل الذي أكسبه من "المشاحر" يساوي الدخل الذي يحصل عليه الموظف الحكومي.. لذلك أنا مرتاح في عملي، فهو يوفر لي الدخل المناسب الذي أستطيع به تكوين نفسي".
تلوث بيئي
وتشكو العائلات القاطنة بالقرب من تلك "المشاحر" من التلوث البيئي الذي يحيط بمنازلهم طوال الوقت، حيث يصف محمد خالد عطاطرة -أحد القاطنين بالقرب من "المشاحر"- الأجواء المحيط بمنزله بالمزرية بالقول غاضبا: "الجو هنا ملوث على مدار 24 ساعة (...) هذا غير الأمراض وسرطانات الرئة والروائح الخانقة خاصة في ساعات الليل المتأخرة لأن العمال يفتحون المشحرة".
وقال لـ"الرسالة نت": "أطفالي لا يتمكنون من اللعب خارج البيت بسبب الدخان المتصاعد طوال الوقت من تلك المشاحر (...) نحن نناشد الجهات المسؤولة للتدخل السريع لحل هذه المشكلة وإبعاد "المفاحم" عن الأماكن السكنية".
وتبدي الطالبة رند جمال 16 عاما -من مدرسة بنات يعبد القريبة من المشاحر- استياءها من تردي الوضع وعدم استجابة أحدهم لشكواهم بإبعاد "المفاحم" عن المدرسة لما سببته من أضرار بالغة سواء الرائحة أو الغبار.
وتتنوع الملوثات التي تنتج عن صناعة الفحم في منطقة يعبد ما بين المواد الصلبة الدقيقة إلى الغازات المختلفة والتي تشمل أول وثاني أكسيد الكربون, وأكسيد النيتروجين, وأكسيد الكبريت, والهيدروكربونات.
وارتفاع نسبة الدخان في الهواء وبشكل دائم يؤدي إلى ترسب طبقة من ذرات الدخان على الجدران والنوافذ، وأيضا تعاني ربات البيوت كثيراً من هذه الظاهرة خاصة عند نشر الملابس على أسطح المنازل، فتبقى الملابس متسخة ويتحول لونها إلى الأصفر.
ويشير أهالي القرية إلى أنه لا يمكن وضع حد نهائي لهذه القضية ما دامت "المشاحر" موجودة على مقربة من البيوت، "وإذا ما بقيت طرق التصنيع على حالها بدون تطوير".
تقصير حكومي
وفي دراسة أعدها الطالب محمد أبو ذيب بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية هشام أكد أنه لم يطرأ أي تحسن في الوضع البيئي لبلدة يعبد بعد مجيء السلطة الفلسطينية.
وأشار خلال الدراسة إلى عدم رضا السكان اتجاه الإجراءات الحكومية نحو البيئة، "وغياب التخطيط السليم لتحديد المواقع السكنية بالنسبة لأخطار التلوث"، لافتا إلى لم يكن هناك اختيار مناسب لمواقع "المفاحم" من قبل الجهات المعنية.
وأكد أبو ذيب إلى أنه لم يتم إرسال جهات متخصصة لتتحقق من الصحة العامة لدى السكان في قرية يعبد، "إلا بشكل قليل جدا".