قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: أَبشِرْ بِطولِ سلامةٍ يا معبرُ..

بقلم/ م. كنعان سعيد عبيد

نحن ومعبر رفح كثلاث: كالفرزدقِ مع مربعٍ، وكجحا مع حمارِ الملكِ، وكأصحابِ أبي الخيزران مع جدار الصهريج  في قصة "رجال تحت الشمس" لغسان كنفاني.

الفرزدق أجاد صناعة البلاغة حتى قِيل لولا الفرزدق لضاع نصف اللغة العربية، وأبدع شعرا توعدا بمربعٍ, ولكن يرى الشاعرُ جريرُ في قوة بيان الفرزدق ضعفَ الرجالِ رغم طول اللسان وبلاغة البيان ولم ير فيه عنترة بن شداد، واطمأن جرير على سلامة مربعٍ من تهديدات الفرزدق وعلم أن الرجلَ ليس على شيءٍ سوى الكلام فقال فيه هاجيا:

زعم الفرزدقْ أن سيقتل مربعا          فأبشرِ بطولِ سلامة يا مربعُ

كما الفرزدقُ مع مربعٍ كنا مع معبر رفح.. أجدنا شعر "الولولات" وتِعْداد الوفيات، وعلى استحياءِ استنكرنا وبضعف.. الفرزدقِ تَوَعدنا فاستَبشر معبرُنا بطول سلامةٍ كما مربعِ.

وأما جحا الذي رضي أن يعلِّم حمار الملك الكلام فكان له فقهٌ غير الذي تعرفه الأبطال.. كان عنده إمَّا أن يموت الملك أو يموت الحمار أو يموت جحا معتمدا على معادلة الزمان دون أن تكون له يدٌ أو جولةٌ في إنقاذ نفسه.

وليس بعيدا عن جحا عاشت غزة لحظات انتظار موت حسني مبارك بعد عملية سرطان المرارة, كما عاشت فرحة سقوطه بعد الثورة، ولكن تغيرت التيجان والملكُ واحدٌ وبقي المعبر على حاله في انتظار موت الشعب على "فكرِ جحا" في إدارة الوقت والأزمات.

ولموت الشعب صورة أخرى في قصة "رجال تحت الشمس"؛ فقد مات أصحاب أبي الخيزران في صهريجِ النفط قبل أن يسمعوا صرخته: "لِمَ لم تدقوا الجدار".

إذن هي قصة الشعب وأولِي الأمر ليعلموا أن خَمْس سنوات كسنوات جحا مرت على غزةَ أجدنا فيها "جعجعات" الفرزدق التي لن تُوصِلُنا إلا أن نكون مثل أصحاب أبي الخيزران, أو قل هي قصة معبرٍ كان ينبغي له أن يموت أو يدمر دون الشعب, وكان الأجدر للشعب أن يخرج حاملا فأسه كما قال أحمد مطر:

سأحمل فأسا دونها القدر                 هوجاء لا تبقي ولا تذر

حينها سيجد الشعبُ من مصرَ من يناديهم: دقوا الجدار، ويحمل فأسه معهم، وسينتظر العالم منا ألف ألف عنترة ينشد شعرا لا كشعر الفرزدق، وليمت ألف حمار وملك دون حذاءِ..

 

البث المباشر