الرسالة نت - أمل حبيب
من بين البيوت المدمرة وتحديدا بالقرب من منطقة الأنفاق على الشريط الحدودي جنوب قطاع غزة ... تقف أم زكريا وأطفالها الأربعة على أطلال بيتها المهدم والذي يشبه ( خيمة اللاجئين) تفوح من المكان رائحة الدمار والوحشة... ونباح الكلاب هو الشيء الوحيد الذي يسمع إذا حل المساء ضيفا على عائلة أم زكريا.
جدار ونصف تقريبا والباقي تلفه الشوادر وأوراق الكرتون من كل الجوانب , أما الغرفة الوحيدة للعائلة فيفصلها عن الحمام قماش مرقع .
فصول حكاية الألم لعائلة أم زكريا نسجت أولى تفاصيلها بعد الحرب الأخيرة على غزة حينما قصفت طائرات الاحتلال منطقة الانفاق فاستوى منزل أم زكريا بالأرض, وبعدها عوضتها وكالة الغوث بـ5000 يورو مؤقتا , فتأجرت به منزلا هي وزوجها وأطفالها, وبعد أن نفد المال أقامت عند احد أقاربها لمدة خمسة شهور , واليوم عادت الى بيتها السابق المليء بأكوام الحجارة.
وضع عائلة أم زكريا المأساوي أعاد الذاكرة إلى خيام التهجير عام 48 حين قالت ام زكريا :"الكهرباء من دار سلفي والماء من الجيران " , أما بقايا الثلاجة الفارغة تقف فيما يشبه المطبخ لتكمل الديكور.
القوارض تشارك أم زكريا فتات الطعام وتجتاح خلوتها مع أطفالها فتكدر عيشتهم.
أما بالنسبة لمقتنيات المنزل فتقول: "عنا خمس فرشات وثلاث حرامات ونتفتة حصيرة.
ياسمين ثمانية أعوام صاحبة عيون زرقاء إلا أنها تعاني من ضعف نظر وتحتاج الى نظارة طبية وتتمنى بأن يصبح لديها غرفة نظيفة وسرير وألا تشاهد "العِرس" تمشي في بيتهم حتى تستطيع تناول طعامها بأمان.
استغربت (الرسالة) من عدم وجود زوجها في البيت وعند سؤالنا عنه أجابت دموعها :" رضينا بالهم والهم مارضي فينا (...) زوجي طفش وتركني وحيدة". أبو زكريا ترك زوجته وأولاده هربا من الفقر، وزوّجته أمه من امرأة تكبره عمرا لتغيظ والده الذي تزوج عليها.
وخلال معاينة فريق "ألم وأمل" للمكان لنقل صورة معاناة أم زكريا أطل علينا رجل في بداية الستينيات ذو لحية بيضاء ظنناه من فاعلي الخير, وضع كرسيا وسط البيت وعقد حاجبيه قائلا:" معاكي أسبوع بتاخذي ولادك وبترجعي من مكان ما اجيتي " ... كلامه كان قاسيا ولكن الأقسى عندما علمنا بأنه والد زوجها!, اتضح بعدها بأنه يريد أن يعيد بناء منزله بمساعدة من الحكومة ولكنه لن يساعد ام زكريا لأنه متزوج من امرأتين.
تزداد الضربات على أم زكريا .. فتتأكد يوما بعد يوم بأنها وحيدة ولكنها في نفس الوقت تحاول التماسك وعدم الانهزام من أجل اطفالها الاربعة.
عيون أم زكريا المنتفخة من شدة البكاء قالت كلمات لم يستطع لسانها النطق بها :" يا ريت زكريا كان شب كبير يساعدني ويحميني " , ثم سقطت دموعها المحبوسة معلنة حالة من الانهيار.
"أنا أم وبخاف على اولادي (...) ياريت يصير عندي بيت أحميهم وأعلمهم".
أم زكريا خريجة قسم محاسبة ولكن شهادتها محجوزة بسبب الرسوم المتراكمة والتي قالت بأنها وصلت الى 1000 دينار, وتتمنى بأن تحصل على وظيفة لتنشل أطفالها من حالة الفقر والمرض الذي تعيشه, مناشدة أهل الخير بأن يقدموا لها يد العون لتصمد من أجل أطفالها الذين لن تتخلى عنهم مهما حصل.